وأما الرواية الثانية: فهي -وإن ذكر فيها الخيار ومدته- فقد ذكرا لا على سبيل الشرط وإنما لبيان مدة الخيار الذي استفيد من قوله -عليه الصلاة والسلام-: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خُلاَبَةَ" فتكون مدة هذا الخيار خيار الغبن مقدرة شرعاً بثلاثة أيام ولهذا تكون هذه الرواية بمنأى عن إثبات شرط الخيار كالأولى لأنها بيان لها. وأما الرواية الثالثة: فيحتمل أن يكون -ولك الخيار ثلاثاً- جملة مستأنفة ذكرت لبيان مدة خيار الغبن شرعًا، فتكون كالرواية الثانية من حيث المعنى، وهذا هو المتبادر ويحتمل أن يكون عطفاً على: "لاَ خُلاَبَةَ" فيكون مأموراً بهذين القولين أعني أنه يجب عليه -ليكون له حق فسخ البيع- أن يشترط عدم الخلابة، وأنه بالخيار ثلاثة أيام -وهذه الرواية تدل على المطلوب من هذا الوجه بتعسف. ولكن لما كان التأويل الأول هو الموافق للرواية الثانية الصريحة فيه، وجب أن يكون هو المتعين. لا سيما والحديث بجميع رواياته قيل في واقعة واحدة. وأما الرواية الرابعة: فصريحة في اشتراط الخيار ومدته ولكن هذه الرواية لم تذكر في كتب الحديث، ولذلك يقول الشوكاني: "قال ابن الصلاح. وأما رواية الاشتراط فمنكرة لا أصل لها" وبمثل هذا قال النووي في المجموع ناسباً هذه الرواية إلى الوسيط وبعض كتب الفقه وإذ ظهر أمر هذه الرواية من الضعف والتهافت أصبحنا في حل من إهدارها وعدم التعويل عليها. ثم هي -على فرض التسليم بصحتها جدلاً- لا تدل على جواز شرط الخيار في البيع إلا إذا تقدمه شرط عدم الخلابة أيضاً؛ لأنه مأمور بالقولين معاً. وشاء عليه. إذا ظهر له غبن رد وإلا فلا. مع أن شرط الخيار الذي قال بجوازه الجمهور لا يشترط فيه تقدم شرط عدم الخلابة. وله مع ذلك. الرد، ولو لم يكن هناك غبن نعم قد يمكن أن يقال: إن شرط عدم الخلابة إنما هو تصريح بحكمة مشروعية اشتراط الخيار. ومن المعلوم المقرر أن الحكمة لا يلزم طردها في جميع أفراد موضوعها، وإذا فيصح شرط الخيار بدون لا خلابة مثلاً. وله أن يرد المبيع ولو لم يكن هناك غبن لما بينا أن الحكمة لا يلزم طردها ولكن مثل هذا اعتساف للكلام، وخروج به عن مواضعه فضلاً عن أنه مبني على رواية ضعيفة لا أصل لها. ولكن من أين أخذ الفقهاء هذه الرواية، وأمرها ما ذكرنا لعلهم أخذوها من الرواية الثالثة من الروايات الأربع التي ذكرنا مؤولين لها التأويل الثاني الذي شرحناه إذ هو موافق لهذه الرواية في المعنى. هذا وأما الكلام على سند هذا الحديث -بجميع رواياته التي صرح فيها بالخيار ومدته-، وأنه من رواية رجل مدلس-، أو أن هذا الحديث خاص بذلك الرجل الذي قيل في شأنه-، فنرى أن له موضعاً هو به أليق، وهو خيار الغبن. وأما المعقول: هذا ما يرد على الجمهور من حيث الأحاديث التي أيدوا بها مذهبهم. وأما المعقول الذي ذكروه لتبرير جواز شرط الخيار -وهو أن الحاجة قد تدعو إليه- فيكفي في دفعه أنه شرط يخالف مقتضى العقد كما يدعون، وما هذا شأنه يجب رده لا اعتباره. وقياسه على الإجارة لا يصح، لأنه قد ورد النص بجوازها. فإن قيل وقد ورد النص بجواز شرط الخيار. قلنا أين هو وقد رأيتم مبلغ ما ذكرتم؟ على أن هذا يطرح المعقول جانباً ويجعل الكلام دائراً حول النصوص فحسب!!! اهـ كلام شيخنا الشيخ مندور.