= المبسوط: "إذا كان بعض العقود يجوز للحاجة كالإجارة فجواز خيار الشرط أولى" ولعل وجه قول صاحب المبسوط هذا هو أن الإجارة كالبيع بل هي في حقيقة الأمر نوع منه؛ لأنها بيع المنفعة، وإن اختصت بأحكام خاصة والمبيع في البيع يشترط فيه أن يكون مقدور التسليم. والمنفعة في الإجارة ليست كذلك؛ لأنها معدومة في الحال فهي غير مقدورة التسليم، وحتى هي في المستقبل لا توجد إلاَّ شيئاً شيئاً. ولكنها مع هذا جوزت للجاجة الداعية إليها؛ لأنه ليس كل واحد قادراً على تملك العين فلو لم تجز لتعطلت منافع الناس وشق عليهم هذا الأمر. فإذا كان بعض العقود التي هي الأصل يجوز للحاجة فأولى أن يجوز شرط الخيار للحاجة؛ لأنه وصف للعقد يمنع من لزومه والوصف كالفرع. وأنه يتسامح في الفروع ما لا يتسامح في الأصول. هذا وقد أغرب بعض العلماء على ما لهم من تجلة واحترام فقال بأن شرط الخيار أمر مجمع على جوازه حتى جعله النووي أقوى ما يستدل به في هذا المقام. ويرد على ابن حزم من حيث الدليل الأول القائل. شرط الخيار شرط ليس في كتاب الله، وكل شرط كذلك فهو باطل. بأن المراد ليس في كتاب الله ما يخالفه بدليل قوله فيما بعد: "قضاء الله أحق وشرط الله أوثق" فإن أبيت ذلك وحملت الكلام على ظاهره فلا نسلم لك أن هذا الشرط ليس في كتاب الله. كيف وهو في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنة رسوله ككتابه باعترافك أنت؟ فإن زعمت أنها لا تثبت مشروعية خيار الشرط لضعف بعضها، ولعدم دلالة البعض الآخر قلنا لك، إذا فقد انتقل النزاع بيننا وبينك إلى الأحاديث هل تدل أو لا تدل؟ فإن رأيت أنت أنها لا تدل فنحن نرى أنها تدل. فدع هذا الدليل بمعزل وخصه معنا في هذه الأحاديث. سلمنا لك أن هذه الأحاديث لا تدل على مشروعية خيار الشرط، فماذا تريد بقولك شرط الخيار شرط ليس في كتاب الله؟ أتعني ليس فيه بخصوصه أم ليلى. فيه بعمومه؟ إن عنيت الأول. قلنا لك نعم. فكان ماذا؟ أتزعم وكل شرط ليس في كتاب الله بخصوصه فهو باطل؟ فمن أين لك هذا؟ والحديث نفسه لا يدل على ما ذكرت فهذه دعوى عريضة تحتاج إلى البرهان، ولن تجد إليه سبيلاً. وإن عنيت الثاني. قلنا لك: لا. لأنه في كتاب الله بهذا المعنى يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} والبيع مع اشتراط الخيار عقد يجب الوفاء به ولكن في حدود الشرط أي أنه يجب على من لا خيار له من العاقدين أن يوفر على العاقد الآخر حقه الذي اكتسبه بشرط الخيار؛ لأن هذا الشرط يعتبر كذلك عقداً إذ لا بد فيه من نراضي الطرفين عليه كالعقود. ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلاَّ شَرْطاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً" وشرط الخيار لم يحل حراماً، ولم يحرم حلالاً، فيكون واجب الوفاء، ولا يكون كذلك إلا إذا كان صحيحاً معتبراً شرعاً. ومن حيث الدليل الثاني "لا يفترق بيعان إلا عن تراض" قولك فيه النهي عن بقاء الخيار بعد التفرق مسلم، والمراد به خيار المجلس، فإن زعمت أن الحديث عام، قلنا هو مخصوص بأحاديث خيار الشرط جمعاً بين الأدلة. ومن حيث الدليل الثالث القائل: لا يكون بيع إلا ويكون معه نقل ملك ولا بد الخ. نقول له: نختار أن الملك لا ينتقل ولا يلزمه عدم صحة البيع كما تزعم، بل يكون العقد صحيحاً، ويتأخر الملك لوجود المانع، وهو خيار الشرط ومن المعلوم أن المانع لا يبطل المقتضى، ولا يسلبه سببيتة بدليل أنه إذا زال عمل المقتضى عمله. أو تختار أنه ينتقل وقولك لا فائدة إذا من الخيار غير =