للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الصدقات أبدا، لأنهم لم يقسموا الأرض على الفقراء وإنما قسموا غلتها.

* وفي هذا الحديث من الفقه أن من شرف الأنبياء أن لا يورثوا مالا، فإن تركهم المال مع كونهم بعثوا داعين إلى الزهد في المال لا يليق بشرف منازلهم، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة: (لا يقتسم ورثتي دينارا) وقول عائشة: (جاءت فاطمة والعباس يلتمسان ميراثهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، وقول أبي بكر لهما: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا نورث، ما تركناه صدقة) فإني استدللت بهذا من فعل أبي بكر رضي الله عنه على متانة دينه وشدة ورعه، وأنه لو كان مسامحا أحدا من خلق الله في حق من حقوق الله لكان قد سامح فاطمة ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولهذا قال في آخر الحديث: (والله لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي) لكنه خاف من الله عز وجل أن يراه أو يراه العباس وفاطمة بعين من سامحهما في ذات الله عز وجل.

* وفي هذا الحديث أيضا من الفقه أن الإنسان إذا كان عنده قول حق أو تحمل شهادة في موطن يشبه التهمة فإنه يصدع بالحق فيه، ولا يلتفت إلى ما يظن الجاهلون به، وأن أبا بكر رضي الله عنه، هو راوي هذا الحديث، وهو الخصم في الأمر من حيث إن الولاية له، وهو مع ذلك كله صدع بالأمر (١٤/ ب) وشهد بالحق، فلا جرم أنهما رضي الله عنهما صدقا خبره، وقبلا قوله.

* وقوله: (إني أخاف إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ) فيه أنه لا ينبغي للعالم، ولا لذي الخطر الكبير أن يتجاوز عن شيء في معصية الله في أمر زهيد ولا شيء يسير؛ فإن أبا بكر رضي الله عنه على ارتفاع مقامه وعلو شأنه يقول: (إني أخاف إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ) أي أميل.

* وأما قول عائشة رضي الله عنها: (هجرته فاطمة رضي الله عنها فلم تكلمه حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>