ثم قال الألباني: وقد ترجم البخاري رحمه الله لحديث معاذ بقوله: " بَابُ مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قوم , كَرَاهِيَةَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا. وَقَالَ عَلِيٌّ: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ , أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ» , ثم ساق إسناده بذلك , وزاد آدم بن أبي إياس في " كتاب العلم " له: " ودعوا ما يُنكرون " , أي ما يَشتبِه عليهم فهمُه. ومثله قول ابن مسعود: " مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً " رواه مسلم (١/ ١١) قال الحافظ: " وَمِمَّنْ كَرِهَ التَّحْدِيثَ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ: أَحْمَدُ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْخُرُوجُ عَلَى السُّلْطَانِ , وَمَالِكٌ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ , وَأَبُو يُوسُفَ فِي الْغَرَائِبِ , وَمِنْ قَبْلِهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ , كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْجِرَابَيْنِ , وَأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَقَعُ مِنَ الْفِتَنِ , وَنَحْوُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ , وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَنْكَرَ تَحْدِيثَ أَنَسٍ لِلْحَجَّاجِ بِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ , لِأَنَّهُ اتَّخَذَهَا وَسِيلَةً إِلَى مَا كَانَ يَعْتَمِدُهُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ بِتَاوِيلِهِ الْوَاهِي , وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُقَوِّي الْبِدْعَةَ , وَظَاهِرُهُ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مُرَادٍ , فَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِظَاهِرِهِ مَطْلُوبٌ , وَاللهُ أَعْلَمُ " قال الألباني: هذا وقد اختلفوا في تأويل حديث الباب وما في معناه من تحريم النار على من قال لَا إله إِلَّا الله على أقوال كثيرة ذكر بعضها المنذري في " الترغيب " (٢/ ٢٣٨) وترى سائرها في " الفتح ". والذي تطمئن إليه النفس , وينشرح له الصدر , وبه تجتمع الأدلة ولا تتعارض، أن تُحْمَل على أحوال ثلاثة: الأولى: من قام بِلَوَازِم الشهادتين من التزام الفرائض , والابتعاد عن الحرمات، فالحديث حينئذ على ظاهره، فهو يَدخل الجنة , وتحرم عليه النار مطلقا. الثانية: أن يموت عليها، وقد قام بالأركان الخمسة , ولكنه ربما تهاون ببعض الواجبات , وارتكب بعض المحرمات , فهذا ممن يدخل في مشيئة الله, ويُغْفَر له كما في الحديث الآتي بعد هذا وغيره من الأحاديث المكفرات المعروفة. الثالثة: كالذي قبله , ولكنه لم يقم بحقها , ولم تحجزه عن محارم الله , كما في حديث أبي ذر المتفق عليه: " وإن زنى وإن سرق. . . " الحديث، ثم هو إلى ذلك لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله، فهذا إنما تحرُم عليه النار التي وجبت على الكفار، فهو وإن دخلها، فلا يخلُد معهم فيها , بل يخرج منها بالشفاعة أو غيرها , ثم يدخل الجنة ولا بد، وهذا صريحٌ في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " من قال لَا إله إِلَّا الله , نفعته يوما من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه " , وهو حديث صحيح برقم (١٩٣٢) في الصحيحة. والله سبحانه وتعالى أعلم. أ. هـ