للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستخدام المُتَكَلِّم هذه الأداة بمعنى الشك يستلزم سياقا يضم طرفين: متكلم، ومخاطب أو مخاطبين، يجمعهم حديثٌ حول موضوع ما وقعوا في شكٍّ حول نسبة ثلاثة معان له، وحاروا في أيٍّ منها ينسب أو يوصف أو يناط بهذا الموضوع؛ فدفع هذا المُتَكَلِّم أَنْ يحصر الشك في معنيين فقط؛ وهذا يعني أَنَّ الأداة «إِمَّا» تأتي في الكلام وحالة الشك قائمة؛ وأنَّها قد أُتِيَ بها لتضييق دائرة الشك.

ومن الأدوات التي تفيد الشك الأداة «أو»، والفرق بينها وبين «إِمَّا» أَنَّ «أو» يُأْتَى بها بعد أَنْ يكون الكلام قد بُدِئ به على سبيل اليقين ثُمَّ اعتراه الشك، أَمَّا «إِمَّا» فيُأْتَى بها وحالة الشك قائمة أصلا، قال المبرد: «وَزعم الْخَلِيل أَن الْفَصْل بَين «إِمَّا» و «أو» أَنَّك إِذا قلت: ضربت زيدا أَو عمرا فقد مضى صدر كلامك وَأَنت مُتَيَقن عِنْد السَّامع، ثُمَّ حدث الشَّك بِـ «أو» فَإِذا قلت: ضربت إِمَّا زيدا [وإما عمرو]؛ فقد بنيت كلامك على الشَّك») (١)، وقال ابن جني: «ومعنى «إِمَّا» كمعنى «أو» في الخبر والإباحة والتخيير، تقول: قام إِمَّا زيد وإِمَّا عمرو، وكُلْ إِمَّا تمرا وإِمَّا سمكا؛ إلا أنَّها أقعد في لفظ الشك من أو؛ ألا تراك تبتدئها شاكًّا وتقول: قام إما زيد وإما عمرو. و «أو» يمضي صدر كلامك على لفظ اليقين ثُمَّ تأتي بـ «أو» فيما بعد؛ فيعود الشك ساريا من آخر الكلام إلى أوله») (٢).

****

٢ ــ الأداة «ذاكَ»: من الأدوات التي تعرض لها سيبويه بالشرح والإيضاح الأداة «ذاكَ»، فقال عنها: «ذاك اسمٌ مبهَم، وإِنَّمَا يذكر حين يُظن أَنَّهُ قد عَرفت ما يَعنى») (٣). ونقف عند هذا النَّصّ محلِّلين ونخرج منه بالآتي:

• أنَّ اسم الإشارة «ذاكَ» اسم «مبهم».

• أن هذا الاسم ــ كما نفهم من عبارة سيبويه ــ يذكره «متكلمٌ» للإشارة إلى «مسمّى محسوس» معروف لدى «المخاطب أو المستمع»؛ لأَنَّه عُرِف من قبل. ولا نستطيع من كلام سيبويه هنا أَنْ نحدد ما إذا كان هذا «المسمّى المحسوس» لابد أَنْ يذكر في نفس الكلام أم من الممكن أَنْ تكون الإشارة في موقف سِياقِيّ سابق.


(١) المقتضب: ت: محمد عبد الخالق عظيمة، عالم الكتب، بيروت، ٣/ ٢٨
(٢) اللمع في العَرَبِيَّة: ص ٩٥
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٨٣ ــ ٣٨٤ وقد أورد الأستاذ هارون في الحاشية ذات الرَّقْم ١ في ص ٣٨٤ رواية أخرى للعبارة الأخيرة في النص هي ((قد عُرِف ما يعني)).

<<  <   >  >>