للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهنا نقول إِنَّ توقع القيام بالفعل هو أمر سِياقِيّ، ولا بد أنْ يُسبَقَ هذا التوقع بمجموعة من الأحداث السِّياقِيَّة الاجتِماعِيَّة النفسِيَّة التي تهيئ لهذا التوقع، وتجعل المخاطب أو السامع في حالة التوقع هذه؛ أي أَنَّ السِّياق هنا هو الذي يحدد استخدام أحد هذين التركيبين: «قَدْ + فعل ماض متصرف خبري مثبت + فاعل» أو «فعل ماض متصرف خبري مثبت + فاعل» إذا أردنا اختيار أحدهما. ويلعب المُتَكَلِّم دورا في اختيار التركيب المناسب إذ ينبغي أَنْ يأخذ بعين الاعتبار السِّياق وحالة المخاطب والسامع.

وهذا النَّصّ هنا لسيبويه يمكن أَنْ يُضاف إلى الأدِلَّة التي تثبت أَنَّه كان يُنَمِّطُ اللُّغَة إلى تراكيب لغوية مُجَرَّدة ثُمَّ يتَتَبَّعها دِلالِيًّا في السِّياقات التي تأتي فيها.

***

٨ ــ الأداة «أَلَا»:

قال النُّحَاة عن ألا: «وترد «ألا» للتنبيه فتدخل على الجملتين نحو: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)} يُونُس: ٦٢، {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} هود: ٨ وعرضية وتحضيضية؛

فتختصان بالفعلِيَّة، نحو: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} النور: ٢٢ {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} التوبة: ١٣») (١). أي أَنَّه من خلال التتَبُّع السِّياقي لهذة الأداة تمخَّض هذا التتَبُّع عن ثلاث دلالات: التنبيه والعرض والتحضيض.

- والتنبيه هو «بيان الشيء قصدا بعد سبقه ضمنا، على وجه لو توجّه إليه السامع الفطن بكليته لعرفه، لكن لكونه ضمنيا ربما يغفل عنه») (٢).

- والعرض: «هو الطلب برفق ولين. ويظهران ــ غالبا ــ في صوت المُتَكَلِّم، وفي اختيار كلماته رقيقة دالة على الرفق») (٣).

- والتحضيض: «هو الطلب بشِدَّة وعنف. ويظهران ــ غالبا ــ في صوت المُتَكَلِّم، وفي اختيار كلماته جزلة قوية») (٤).

وواضح من التعريفات الثلاث أنها تتطلب سياقا للتفرقة بينها، وأنَّ «سياق الكلام ونبرة صوت المُتَكَلِّم واختياره لكلماته» أهم ما يميِّز بين العرض والتحضيض.


(١) ابن هشام: أوضح المسالك إلى ألفِيَّة ابن مالك، ٢/ ٢٥
(٢) التهانوي: موسوعة كشاف اصطلاحات العلوم والفنون، ١/ ٥١٦
(٣) عباس حسن: النحو الوافي، ٤/ ٣٦٩
(٤) السابق: ٤/ ٣٦٩

<<  <   >  >>