للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للمحدَّث؛ لأَنَّكَ إذا ابتدأت الاسم فَإِنَّما تبتدئه لما بعده، فإذا ابتدأت فقد وجب عليك مذكور بعد المبتدأ لابدّ منه، وإلا فسد الكلام ولم يسغ لك، فكأَنَّه ذكر «هو» ليستدل المحدَّث أَنَّ ما بعد الاسم ما يُخرجه مما وجب عليه، وأَنَّ ما بعد الاسم ليس منه») (١).

ويقول في نصّ آخر: «وإِنَّما فصل لأَنَّكَ إذا قلت كان زيدٌ الظريفُ، فقد يجوز أَنْ تريد بالظريف نعتا لزيد، فإذا جئت بهو أعلمت أنها متضمنة للخبر») (٢).

إن سيبويه يريد أَنْ يؤكد هنا في هذا النَّصّ على ما رصده هو من وظيفة لضمير الفصل، وهي وظيفة «تأكيد الخبرِيِّة» لما يأتي بعده، وأَنْ ينبِّه المُتَحَدَّث ليزدادَ انتباها وتركيزا لما بعد هذا الضمير، ولا شك أَنَّ هذه وظيفة تتَأَثَّر بالسِّياق، فالمُتَكَلِّم لن يلجأ إليه إلا إذا استدعى السِّياق هذا.

ويحتاج الضمير إلى مرجع، أيًّا كان شكل هذا المرجع، فقد «يكون له مرجع صريح، وقد يكون له مرجع متصيَّد من الفعل، وقد تدلُّ عليه قرينة السِّياق العام للكلام») (٣). وقد يكون المرجع متقدم على الضمير كما هو المعتاد والمألوف، وقد يكون متأخرا عنه، كما يشير سيبويه:

«ومما يضمر لأنَّهُ يفسره ما بعده ولا يكون في موضعه مظهرٌ قول العرب: إِنَّه كِرامٌ قومُك، وإِنَّه ذاهبةٌ أمتُك. فالهاء إضمارُ الحديث الذي ذكرتَ بعد الهاء، كَأَنَّه في التقدير ــ وإِنْ كان لا يُتكلم به ــ قال: إِنَّ الأمر ذاهبةٌ أمتُك وفاعلةٌ فلانة، فصار هذا الكلام كلُّه خبرا للأمر، فكذلك ما بعد هذا في موضع خبره») (٤).

إن تأكيد سيبويه وغيره من النُّحَاة على مَرْجِعِيَّة الضمير هو تأكيد نابع من أهمِيَّة هذه المَرْجِعِيَّة في «تلاحم النَّصّ وتماسكه»، فالضمير يلعب دورا مهمّا في النَّصّ اللغويّ؛ إذ يسهم في

«الخفة» ودفع «الإلباس» (٥) من ناحية، ومن ناحية ثانية «يعمل على تلاحم الناتج الدِّلَالِيّ عندما يتردد الدال مشيرا إلى شيء سابق في السِّياق، سواء أكانت الإشارة إلى سابق ملفوظ أومفهوم، أوقائم على التضمين أوالالتزام» (٦). فبالضمائر «تتحول الصياغة إلى سبيكة متلاحمة العناصر


(١) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٨٩
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٨٨
(٣) د. تَمَّام حسان: البيان في روائع القرآن، ١/ ١٥٠
(٤) سيبويه: الكتاب، ٢/ ١٧٦
(٥) الخصائص: ٢/ ١٩٣
(٦) د. محمد عبد المطلب: قراءات أسلوبية في الشعر الحديث: الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، القاهرة، ط ١، ) ١٩٩٥ م (، ص ١٤٣

<<  <   >  >>