للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضمير واو الجماعة «ضمير متصل لجماعة الذكور العقلاء») (١). لَكِنَّه قد يُنزَّل في بعض الأحيان منزلة غير العقلاء، فعندما سأل سيبويه الخليل عن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} زعم «أَنَّهُ بمنزلة ما يعقل ويسمع، لما ذكرهم بالسجود، وصار النمل بتلك المنزلة حين حدّثتَ عنه كما تحدث عن الأناسى. وكذلك {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}؛ لأَنَّها جُعلت ــ في طاعتها وفى أَنَّهُ لا ينبغى لأحد أَنْ يقول: مُطرنا بنَوْء كذا، ولا ينبغي لأحد أَنْ يعبد شيئا منها ــ بمنزلة من يَعقل من المخلوقين ويُبصر الأمور») (٢).

ويؤثِّر السِّياق أيضا على الضمير في بعض الأحيان استعمالا، فالضمير «هم» لا يستعمل مع ما يُعَبِّر عن جماعة غير عاقلة، ويستخدم فقط فيما يدل على العاقل، كما أشار سيبويه قائلا: «ولا تقول: جمالُك ذاهبون، ولا تقول: هم في الدار وأنت تعنى الجِمال، ولكنك تقول: هي وهن ذاهبة وذاهبات») (٣).

ويردد النُّحَاة مصطلحا يرتبط بما نحن فيه هنا، ألا وهو مصطلح «ضمير الفصل». وهو:

«ضمير يتوسط بين المبتدأ والخبر، أو ما أصله مبتدأ وخبر؛ ليؤذَنَ من أوَّل الأمر بأنَّ ما بعدَه خبرٌ لا نعتٌ. وهو يُفيدُ الكلام ضربًا من التوكيد») (٤).

إن ضمير الفصل «يفصل في الأمر حين الشك؛ فيرفع الإبهام، ويزيل اللَّبس؛ بسبب دلالته على أَنَّ الاسم بعده خبر لما قبله؛ من مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وليس صفة، ولا بدلا، ولا غيرهما من التوابع والمكملات التي ليست أصيلة في المعنى الأساسي، كما يدلُّ على أَنَّ الاسم السابق مستغن عنها، لا عن الخبر. وفوق ذلك كله يفيد في الكلام معنى الحصر والتخصيص

أي: القصر المعروف في البلاغة. تلك هي مُهِمَّة ضمير الفصل؛ لَكِنَّه قد يقع أحيانًا بين مالا يحتمل شكًّا ولا لَبسًا؛ فيكون الغرض منه مجرد تقوية الاسم السابق، وتأكيد معناه بالحصر. والغالب أَنْ يكون ذلك الاسم السابق ضميرًا؛ كقوله تعالى: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}») (٥).

ويتطرق سيبويه إلى الحديث عن هذا الضمير، ويؤكد أَنَّ وجوده «إعلاما بأنَّه)؛ أي

المُتَكَلِّم (قد فصل الاسم، وأنَّه فيما ينتظر المحدَّث ويتوقعه منه، مما لابدَّ له من أَنْ يذكره


(١) د. على توفيق حمد: المعجم الوافي في أدوات النحو العربي، ص ٣٦٠
(٢) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٤٧
(٣) سيبويه: الكتاب، ٢/ ٣٩
(٤) مصطفى محمد الغلاييني: جامع الدروس العَرَبِيَّة، المكتبة العصرية، بيروت، ط ٢٨، ) ١٩٩٣ م (، ص ١٢٦
(٥) عباس حسن: النحو الوافي، ١/ ٢٤٤

<<  <   >  >>