قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رَدّ منْ لم يُثبتِ النبوّة لا يكون بما سلكه المتكلّمون منْ النظر، وإنما يكون بما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واقتدى به فِي ذلك أصحابه -رضي الله عنهم-, ومن تبعهم بإحسان، منْ إقامة الحجة عَلَى منْ لم يُثبت نبوته -صلى الله عليه وسلم-، فليس هَذَا النفي جديدا فِي الأمة، وإنما هبم منْ أول ما جاء الإسلام، فقد قَالَ الله تعالى:{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا} الآية [الرعد: ٤٣]، وَقَالَ تعالى:{وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} الآية [الفرقان: ٤١]، إلى غير ذلك منْ الآيات، فالطريق الذي سلكه -صلى الله عليه وسلم- فِي إقناع هؤلاء ونحوهم، وإلزامهم الحجج القاهرة لهم، هو الطريق الصحيح، وأما طريق المكتلمين، فضلال مبين، فتنبّه لهذا هداني الله وإياك إلى الصراط المستقيم.
واحتج بعض منْ أوجب الاستدلال، باتفاقهم عَلَى ذم التقليد، وذكروا الآيات، والأحاديث الواردة فِي ذم التقليد، وبأن كل أحد قبل الاستدلال، لا يدري أيّ الأمرين هو الهدى؟، وبأن كل ما لا يصح إلا بالدليل، فهو دعوى لا يعمل بها، وبأن العلم اعتقاد الشيء عَلَى ما هو عليه، منْ ضرورة، أو استدلال، وكل ما لم يكن علما فهو جهل، ومن لم يكن عالما فهو ضال.
والجواب عن الأول أن المذموم منْ التقليد أخذ قول الغير بغير حجة، وهذا ليس منه حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن الله أوجب اتباعه فِي كل ما يقول، وليس العمل فيما أمر به، أو نهى عنه داخلا تحت التقليد المذموم اتفاقا، وأما منْ دونه، ممن اتبعه فِي قول قاله، واعتقد أنه لو لم يقله لم يقل هو به، فهو المقلد المذموم، بخلاف ما لو اعتقد ذلك فِي خبر الله ورسوله، فإنه يكون ممدوحا.
وأما احتجاجهم بأن أحدا لا يدري قبل الاستدلال، أيّ الأمرين هو الهدى، فليس بمسلم، بل منْ النَّاس منْ تطمئن نفسه، وينشرح صدره للإسلام منْ أول وهلة، ومنهم منْ يتوقف عَلَى الاستدلال، فالذي ذكروه هم أهل الشق الثاني، فيجب عليه النظر ليقي نفسه النار؛ لقوله تعالى:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[التحريم: ٦]، ويجب عَلَى كل منْ استرشده أن يرشده، ويبرهن له الحق، وعلى هَذَا مضى السلف الصالح، منْ عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وبعده.
وأما منْ استقرت نفسه إلى تصديق الرسول، ولم تنازعه نفسه إلى طلب دليل، توفيقا منْ الله وتيسيرا، فهم الذين قَالَ الله فِي حقهم:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} الآية [الحجرات: ٧]، وَقَالَ:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} الآية [الأنعام: ١٢٥]، وليس هؤلاء مقلدين لآبائهم، ولا لرؤسائهم؛ لأنهم لو كَفَر