كافر شرعًا، أو مُختلّ العقل وضعًا، إذ كلّ واحدة منهما معلومة الفساد بالضرورة الشرعيّة الحاصلة بالأخبار المتواترة القطعيّة، وإن لم يكن كذلك، فلا ضروريّ يُصار إليه فِي الشرعيّات، ولا العقليّات، عصمنا الله تعالى منْ بِدع المبتدعين، وسلك بنا طرُق السلف الماضين، وإنما طوّلت فِي هذه المسألة الأنفاس منْ هذه البدع فِي النَّاس، ولأنه قد اغترّ كثير منْ الجهال بزخرف تلك الأقوال، وَقَدْ بذلت ما وجب عليّ منْ النصيحة، والله تعالى يتولّى إصلاح القلوب الجريحة. انتهى كلام القرطبيّ "المفهم" ٦/ ٦٩٠ - ٦٩٤. ببعض تغيير منْ "الفتح".
وَقَالَ الآمدي فِي "أبكار الأفكار": ذهب أبو هاشم منْ المعتزلة، إلى أن منْ لا يعرف الله بالدليل، فهو كافر؛ لأن ضد المعرفة النكرة، والنكرة كفر، قَالَ: وأصحابنا مجمعون عَلَى خلافه، وإنما اختلفوا فيما إذا كَانَ الاعتقاد موافقا، لكن عن غير دليل، فمنهم منْ قَالَ: إن صاحبه مؤمن عاص بترك النظر الواجب، ومنهم منْ اكتفى بمجرد الاعتقاد الموافق، وإن لم يكن عن دليل، وسماه علمًا، وعلى هَذَا فلا يلزم منْ حصول المعرفة بهذا الطريق، وجوب النظر، وَقَالَ غيره: منْ منع التقليد، وأوجب الاستدلال، لم يرد التعمق فِي طرق المتكلمين، بل اكتفى بما لا يخلو عنه منْ نشأ بين المسلمين، منْ الاستدلال بالمصنوع عَلَى الصانع، وغايته أنه يحصل فِي الذهن، مقدمات ضرورية، تتألف تألفا صحيحا، وتنتج العلم، لكنه لو سُئل كيف حصل له ذلك؟ ما اهتدى للتعبير به، وقيل: الأصل فِي هَذَا كله المنع منْ التقليد، فِي أصول الدين، وَقَدْ انفصل بعض الأئمة عن ذلك، بأن المراد بالتقليد أخذ قول الغير بغير حجة، ومن قامت عليه حجة بثبوت النبوة، حَتَّى حصل له القطع بها، فمهما سمعه منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ مقطوعا عنده بصدقه، فإذا اعتقده لم يكن مقلدا؛ لأنه لم يأخذ بقول غيره بغير حجة، وهذا مستند السلف قاطبة، فِي الأخذ بما ثبت عندهم منْ آيات القرآن، وأحاديث النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فيما يتعلق بهذا الباب، فآمنوا بالمحكم منْ ذلك، وفوضوا أمر المتشابه منه إلى ربهم، وإنما قَالَ منْ قَالَ: إن مذهب الخلف أحكم بالنسبة إلى الرد عَلَى منْ لم يثبت النبوة، فيحتاج منْ يريد رجوعه إلى الحق أن يقيم عليه الأدلة إلى أن يُذعن، فيسلم، أو يعاند فيهلك، بخلاف المؤمن، فإنه لا يحتاج فِي أصل إيمانه إلى ذلك، وليس سبب الأول إلا جعل الأصل عدم الإيمان، فلزم إيجاب النظر المؤدي إلى المعرفة، وإلا فطريق السلف أسهل منْ هَذَا، كما تقدم إيضاحه منْ الرجوع إلى ما دلت عليه النصوص، حَتَّى يحتاج إلى ما ذكر منْ إقامة الحجة عَلَى منْ ليس بمؤمن، فاختلط الأمر عَلَى منْ اشترط ذلك، والله المستعان.