للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): فِي بحث مهمّ يتعلّق بالإيمان، قد خالف فيه طوائف منْ المتأخّرين هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله تعالى لهداية الخلق أجمعين، وهدي أصحابه الأكرمين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين:

قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: مذهب السلف، وأئمة الفتوى منْ الخلف أن منْ صدّق بهذه الأمور تصديقًا جزمًا، لا ريب فيه، ولا تردّد، ولا توقّف، كَانَ مؤمنًا حقيقةً، وسواء كَانَ ذلك عن براهين ناصعة، أو عن اعتقادات جازمة، عَلَى هَذَا انقرضت الأعصار الكريمة، وبهذا صرحت فتاوى أئمة الهدى المستقيمة، حَتَّى حدثت مذاهب المعتزلة المبتدعة، فقالوا: إنه لا يصحّ الإيمان الشرعيّ إلا بعد الإحاطة بالبراهين العقليّة والسمعيّة، وحصول العلم بنتائجها، ومطالبها، ومن لم يحصُل إيمانه كذلك، فليس بمؤمن، ولا يجزىء إيمانه بغير ذلك، وتبعهم عَلَى ذلك جماعة منْ متكلمي أصحابنا، كالقاضي أبي بكر، وأبي إسحاق الإسفراينيّ، وأبي المعالي فِي أول قوليه، والأول هو الصحيح؛ إذ المطلوب منْ المكلّفين ما يقال عليه: إيمان، كقوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ}، والإيمان هو التصديق لغةً وشرعًا، فمن صدق بذلك كلّه، ولم يجوّز نقيض شيء منْ ذلك، فقد عمل بمقتضى ما أمره الله تعالى به عَلَى نحو ما أمره الله تعالى، ومن كَانَ كذلك، فقد تفصّى عن عهدة الخطاب؛ إذ قد عمل بمقتضى السنّة والكتاب؛ ولأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه بعده حكموا بصحّة إيمان كلّ منْ آمن وصدّق بما ذكرناه، ولم يفرّقوا بين منْ آمن عن برهان، أو عن غيره؛ ولأنهم لم يأمروا أجلاف العرب بترديد النظر، ولا سألوهم عن أدلّة تصديقهم، ولا أرجؤوا إيمانهم حَتَّى ينظروا، وتحاشوا عن إطلاق الكفر عَلَى أحد منهم، بل سمَّوهم المؤمنين، والمسلمين، وأجروا عليهم أحكام الإيمان والإسلام؛ ولأن البراهين التي حرّرها المتكلّمون، ورتّبها الجدليّون، إنما أحدثها المتأخّرون، ولم يخُض فِي شيء تلك الأساليب السلف الماضون، فمن المحال والْهَذَيَان أن يُشترط فِي صحّة الإيمان ما لم يكن معروفًا، ولا معمولاً به لأهل ذلك الزمان، وهم منْ هم؟ فهما عن الله تعالى، وأخذًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتبليغًا لشريعته، وبيانًا لسنّته، وطريقته. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى "المفهم" ١/ ١٤٥ - ١٤٦.

وَقَدْ ذكر الحافظ رحمه الله تعالى فِي "الفتح" بحثًا نفيسًا، مستقصيًا للموضوع، عند شرح حديث بعث معاذ -رضي الله عنه- إلى اليمن، فَقَالَ عند قوله: "فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحّدوا الله، فإذا عرفوا ذلك … " الْحَدِيث: ما نصه: وَقَدْ تمسك به منْ قَالَ: أول