قال رحمه الله في أثناء الكلام على حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه الذي تقدم للمصنف غير مرة، وهو الحديث ١٢٣، ١٢٤، الآتي قريبا ما نصه:
وفيه الحُكْم الجليل الذي به فرق بين أهل السنة، وأهل البدع، وهو المسح على الخفين، لا ينكره إلا مخذول، أو مبتدع خارج عن جماعة المسلمين أهل الفقه والأثر، لا خلاف بينهم في ذلك بالحجاز، والعراق، والشام، وسائر البلدان، إلا قوما ابتدعوا فأنكروا المسح على الخفين، وقالوا: إنه خلاف القرآن، وعسى القرآن نسخه، ومعاذ الله أن يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب الله، بل بين مراد الله منه كما أمره الله عز وجل في قوله {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، وقال:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية [النساء: ٦٥].
والقائلون بالمسح: جمهور الصحابة والتابعين، وفقهاء المسلمين، قديما وحديثا، وكيف يتوهم أن هؤلاء جاز عليهم جهل القرآن؟ أعاذنا الله من الخذلان.
روى ابن عيينة، والثوري، وشعبة، وأبو معاوية، وغيرهم عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، قال: رأيت جريرا يتوضأ من مطهرة، ومسح على خفيه، فقيل له أتفعل هذا؟ فقال: وما يمنعني أن أفعله؟ "وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله".
قال إبراهيم: فكانوا يعني أصحاب عبد الله وغيرهم يعجبهم هذا الحديث، ويستبشرون به؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.
وعن حماد بن أبي سليمان، عن ربعي بن حراش، عن جرير بن عبد الله، قال:"وضأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح على خفيه بعد ما أنزلت سورة المائدة".