للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وينظر المجتمع إليها نظرته إلى تلك.

إنها تُدفع مهرًا، فتستباح بها الفروج شرعًا دون أيّ اعتراض. وتدفع ثمنًا، فتنقل ملكيّة السلعة إلى دافعها بلا جدال. وتدفع أجرًا للجهد البشريّ، فلا يمتنع عاملٌ، أو موظّفٌ من أخذها جزاءً على عمله. وتدفع بها دية في القتل الخطأ، أو شبه العمد، فتبرىء ذمّةَ القاتل، ويرضى أولياء المقتول. وتُسْرَقُ فيستحقّ سارقها عقوبة السرقة بلا مراء من أحد. وتدّخر وتملك، فيعدّ مالكها غنيًّا بقدر ما يملك منها، فكلما كثرت في يده عظم غناه عند الناس، وعند نفسه (١).

ومعنى هذا كلّه أن لها وظائف النقود الشرعيّة، وأهمّيّتها، ونظرة المجتمع إليها، فكيف يسوغ لنا أن نَحرِمَ الفقراءَ والمساكينَ، وسائرَ المستحقّين من الانتفاع بهذه النقود، ووظائفها المتعدّدة الوفيرة؟ أليس الناس كلّ الناس يسعون إلى تحصيلها جاهدين؟ أليس مُلاّكها يعُدّونها نعمة يجب شكرها؟ أليس الفقراء يتطلّعون إليها، ويسيل لعابهم شوقًا إليها؟ أليس يفرحون بها إذا أعطوا القليل منها؟ بلى واللَّه.

وأختم هذه النقطة بما قرّره أساتذة الاقتصاد أنه يمكن القول بأن النقود هي كلّ ما يُستعمل مقياسًا للقيم، وواسطة للتبادل، وأداة للادخار، فأيّ شيء يؤدّي إلى هذه الوظيفة يعتبر نقودًا، بصرف النظر عن المادّة المصنوع منها، وبصرف النظر عن الكيفيّة التي أصبح بها وسيلة التعامل في مبدإ الأمر، فما دامت هناك مادّة يقبلها كلّ المنتجين في مجتمع مّا للمبادلة نظير ما يبيعون، فهذه المادّة نقود انتهى ما كتبه الدكتور القرضاويّ شكر اللَّه سعيه، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٤٧٤ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ, قَالَ: أَنْبَأَنَا (٢) ابْنُ الْقَاسِمِ, عَنْ مَالِكٍ, قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيُّ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ (٣) أَوْسُقٍ, مِنَ التَّمْرِ, صَدَقَةٌ, وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ, مِنَ الْوَرِقِ, صَدَقَةٌ, وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ, مِنَ الإِبِلِ, صَدَقَةٌ»).


(١) - كتب في الهامش: ما نصّه: لا معنى إذن لما يقوله بعض المتحذلقين في عصرنا من أن النقود الشرعيّة هي الذهب والفضّة؛ فهي التي تجب فيها الزكاة، وهي التي يجري فيها الربا.
(٢) - وفي نسخة: "أخبرنا".
(٣) - وفي نسخة: "خمس" والأول أولى.