للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حالاًّ، فإنه يزكَّى قبل قبضه كالوديعة، نظرًا إلى أنه في حكم الحاضر المعدّ للنماء. فلو فُرض نماؤه كما في بدل الأوراق الماليّة لما كان هناك وجه لتوقّف الزكاة على القبض، ولما خالف في ذلك أحدٌ من العلماء.

فالحقّ أن هذا النوع من الدين نوع آخر مُستَحدَثٌ لا ينطبق عليه حقيقة الدين، وشروطه المعروفة عند الفقهاء، ولا يجري فيه الخلاف الذي جرى في زكاة الدين، بل ينبغي أن يُتّفَق على وجوب الزكاة فيه، لما علمت أنه كالمال الحاضر …

إلى أن قال: ولو فُرض أنه ليس في البنك شيء من النقود، ونظر إلى تلك الأوراق في ذاتها بقطع النظر عما يعادلها، وعن التزام التعهّد المرقوم بها، واعتبر وجهة إصدار الحكومة لها، واعتبار العلّة لها أثمانًا رائجةً، لكانت كالنقدين تجب زكاتها على القول بأن الزكاة في النقدين معلولة بمجرّد الثمنيّة، ولو لم تكن خلقيّة كما تقدّم في زكاة الفلوس، وقِطَع الجلود، والكواغد.

فتحصّل أن الأوراق الماليّة يصحّ أن تُزكّى باعتبارات أربعة:

(الأول): باعتبار المال المضمون بها في ذمّة البنك، وأنه كمالٍ حاضرٍ مقبوضٍ، وإن

لم يكن كالدين المعروف عند الفقهاء من كلّ وجه.

(الثاني): زكاتها باعتبار الأموال المحفوظة بخزانة البنك، وعلى هذين الاعتبارين فالزكاة واجبة فيها اتفاقًا.

(الثالث): زكاتها باعتبار قيمتها دينًا في ذمّة البنك، فتزكّى زكاة الدين الحالّ على مليء، كما ذهب إليه الشافعيّ.

(الرابع): زكاتها باعتبار قيمتها الوضعيّة عند جريان الرسم بها في المعاملات، واتفاق الملّة (١) على اتخاذها أثمانًا للمقوّمات، وعلى ذلك فوجوب الزكاة فيها ثابت بالقياس كزكاة الفلوس والنحاس انتهى.

قال القرضاويّ: هذا الاعتبار الأخير هو الذي يجب أن يُعوّل عليه في حكم النقود الورقية الإلزاميّة التي هي عمدة التبادل والتعامل الآن، والتي لم يعد يشترط أن يقابلها رصيد معدنيّ بالبنك، ولا يلتزم البنك صرفها بذهب أو فضّة.

وربما كان الخلاف في أمر هذه الأوراق مقبولاً في بدء استعمالها، وعدم اطمئنان الجمهور إليها شأنَ كلّ جديد، أما الآن فالوضع قد تغيّر تمامًا.

لقد أصبحت هذه الأوراق النقديّة تحقق داخل كلّ دولة ما تحقّقه النقود المعدنيّة،


(١) - هكذا النسخة، ولعله "الأمّة".