للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن الإنسان قد يخبر بخلاف علمه، وإذا علم أن أصل المسألة إنما يتعلق بخبر الله وعلمه لا خبر الإنسان وعلمه بأن تناقضهم، ولم يدهم شيئاً كون ذلك قد يقع للإنسان، لأنهم إنما احتجوا بذلك ليتوصلوا به إلى صحة مغايرة الخبر للعلم بالنسبة لله، وهم يقولون إن خبر الله لا يخالف علمه.

الثاني - تناقضهم أيضاً في مسألة الإيمان، فإنهم يقولون - كما يقول الجويني - "إن حقيقة الإيمان التصديق بالله تعالى، فالمؤمن بالله من صدقه، ثم التصديق على التحقيق كلام النفس، ولا يثبت كلام النفس إلا مع العلم، فإنا أوضحنا أن كلام النفس يثبت على حسب الاعتقاد" (١) ، قال شيخ الإسلام مبينا تناقضهم: "وهذا تصريح بأنه لا يكون [أي الإيمان والتصديق] مع عدم العلم، ولا يكون على خلاف المعتقد، وهذا يناقض ما أثبتوا به كلام النفس وادعوا أنه مغاير للعم" (٢) ، ويلاحظ هنا أن الجويني صرح بأن التصديق - على التحقيق - كلام النفس، ثم صرح بأنه لا يكون النفس إلا مع العلم. وهذا مناقض تماما لما ذكروه في الكلام النفسي.

ولبعض الأشاعرة تناقض آخر في مسألة الإيمان، حيث صرح أبو إسحاق بأن الإيمان هو التصديق، وأن ذلك لا يتحقق إلا بالمعرفة والإقرار، وإذا كان من المعلوم أن الإقرار إنما يكون باللسان، كن هذا مناقضا لما ادعوه من أن الكلام مجرد ما يقوم بالنفس (٣) .

الثالث: أن دعواهم - في مغايرة الخبر للعلم - بأن الإنسان قد يخبر بخلاف علمه مما هو كذب "يهدم عليهم إثبات العلم بصدق الكلام النفساني القائم بذات الله، وإذا فسد ذلك لم ينفعهم إثبات كلام له يجوز أن يكون صدقا أو كذبا، بل لم ينفعهم إثبات كلام لم يعلموا وجوده إلا وهو كذب؛ فإنهم لم يثبتوا الخبر النفساني إلا بتقدير الخبر الكذب، فهم لم يعلموا وجود خبر نفساني


(١) الإرشاد للجويني (ص:٣٩٧) ، وهو في التسعينية (ص:١٥٧) .
(٢) التسعينية (ص:١٥٧) ، وانظر بقية المناقشة إلى ص:١٦٢.
(٣) انظر: التسعينية (ص:١٦٠-١٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>