للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك تضافر المسلمون على حِفظ كتاب الله خشية الضياع واختلاط شيء به.

٣ ليست الحُجِّيَّةُ مقصورة على الكتابة حتى يُقَالَ: لو كانت حُجِّيَّةُ السُّنَّةِ مقصودة، لأمر النبي بكتابتها، فإن الحُجِّيَّةَ تثبت بأمور غير الكتابة؛ كالتواتر اللفظي، ونقل العُدُول الثقات.

والقرآن نفسه في عهد أبي بكر لم يكن جَمْعُهُ بِنَاءً على الرقاع المكتوبة فحسب؛ بل بتواتر حفظ الصحابة لكل آية منه، وليس النقل عن طريق الحفظ بأقل صحة وضبطًا من الكتابة، خصوصًا من قوم كالعرب عُرفوا بقوة الحافظة واختصوا بذلك.

فقد كان الرجل منهم يحفظ القصيدة كلها من مرة واحدة، حتى إنه ورد عن بعضهم كراهة الكتابة حتى لا تذهب عنهم ملكة الحفظ أو تضعف (١).

٤ أما ما ورد من النهي عن كتابة السُّنَّة واحتجاجهم بحديث: «لا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ … » (٢).

فقد اجتهد أهل العلم في الجمع بين هذا الحديث (٣) في المنع وأحاديث الإذن بالكتابة الكثيرة (٤) إلى عدة أقوال أهمها (٥):

أ أن يكون من منسوخ السُّنَّة بالسُّنَّة؛ أي: إنه نُهِيَ عن كتابة الحديث في أول الأمر؛ خشية التباس القرآن بغيره (٦).

ب أن النهي لم يكن مطلقًا، وإنما كان عن كتابة القرآن مع غيره في


(١) يُنظر: المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للرَّامَهُرْمُزِيِّ (٣٧٩ - ٤٠٢)، جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (١/ ٢٦٨ - ٢٩٧) السُّنَّة ومكانتها في التشريع (١٨١).
(٢) سبق تخريجه راجع فضلاً الصفحة السابقة.
(٣) وإن كان الحديث معلولاً، قد أعلّه الإمام البخاري وغيره بالوقف على أبي سعيد . يُنظر: مناقشة د. محمد مصطفى الأعظمي في دراسات في الحديث النبوي (١/ ٧٦ - ٩٧).
(٤) يُنظر: صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، (٣١٣ - ٣١٥/ ح ١١٣ - ١١٤)، سنن أبي داود، كتاب العلم، باب كتابة العلم (١٠/ ٧٩/ ح ٣٦٢٩)، مسند الإمام أحمد (٢/ ١٦٢)، سنن الدارمي، المقدمة، باب (٤٣).
(٥) لخص هذه الأقوال د. محمد مطر الزهراني في كتابه تدوين السُّنَّة (٦٧).
(٦) ذهب إلى هذا القول: ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث (٤١٢)، والخطابي، معالم السنن، (٤/ ١٨٤).

<<  <   >  >>