أولها: أن السُّنَّة القولية أصل للسُّنَّة العملية؛ إذ إن السنن العملية لم تبلغنا إلا عن طريق السنن القولية، فالسنن العملية لا تُدرك من مجرد رؤية النبي ﷺ يصلي ويحج ويصوم ويزكي؛ بل لا بد من قوله ﷺ وأمره بالعمل والاقتداء به.
فكيف يُستغنى عن أصل ثبتت به السُّنَّة العملية؟!
وذلك بدليل أنهم احتجوا بالحديثين السابق ذكرهما، وهما قوله ﷺ:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، وقوله:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، هذان الحديثان الأصل أنهما من السُّنَّة القولية لا من السُّنَّة العملية.
وأن الرسول ﷺ لو لم يقل:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ما ثبت شرعًا وجوب محاكاة صلاة الرسول ﷺ.
ولو لم يقل:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ما علمنا أن الأمة يجب أن تتأسى بأفعال النبي ﷺ وأقواله في الحج، وإلا وقع الحج باطلاً لمخالفته كيفية حج النبي ﷺ.
ثانيًا: على فرضية مشاهدة النبي ﷺ يصلي صلاة العشاء من تكبيرة الإحرام إلى الخروج منها بالسلام.
فهل مجرد المشاهدة يميز لنا أركان الصلاة وشروطها وسننها، وما تبطل الصلاة بتركه وما لا تبطل.
وما يدرينا أنه ﷺ كان يقول في ركوعه:«سبحان ربي العظيم» ثلاثًا، ويقول في سجوده:«سبحان ربي الأعلى» ثلاثًا، وأن لكل السنن العملية سننًا قولية، ليس في الصلاة وحدها بل في كل التكاليف، وبهذا يُرفض هذا الدفع الباطل (١).
(١) يُنظر: السُّنَّة ومكانتها في التشريع، لمصطفى السباعي (١٥٥ - ١٦٦)، شبهات القرآنيين، لمحمود مزروعة (٥٠ - ٥٦)، حجية السُّنَّة، لعبد الغني عبد الخالق (٣٨٣ - ٣٨٩)، الشبهات الثلاثون، لعبد العظيم المطعني (١٣١ - ١٣٧)، حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين (٣٩٧ - ٣٩٨)، القرآنيون شبهاتهم حول السُّنَّة، لخادم حسين إلهي بخش (٢١٠ - ٢١٣)، حجية السُّنَّة، لمحمد لطفي الصباغ (٢٩ - ٣٥).