للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه الحكمان فيما بينهما لا شيء سواه.

أما ما يذكره المؤرخون من أن الحكمين لما اجتمعا بأذرح من دومة الجندل١ وتفاوضا واتفقا على أن يخلعا الرجلين فقال عمرو بن العاص لأبي موسى: اسبق بالقول فتقدم فقال: إني نظرت فخلعت علياً عن الأمر وينظر المسلمون لأنفسهم كما خلعت سيفي هذا من عنقي أو من عاتقي وأخرجه من عنقه فوضعه في الأرض، وقام عمرو فوضع سيفه في الأرض وقال: إني نظرت فأثبت معاوية في الأمر: كما أثبت سيفي هذا في عاتقي وتقلده، فأنكر أبو موسى فقال عمرو: كذلك اتفقنا وتفرق الجمع على ذلك من الاختلاف"٢.

فهذه الحكاية وما يشبهها من اختلاق أهل الأهواء والبدع الذين لا يعرفون قدر أبي موسى وعمرو بن العاص ومنزلتهما الرفيعة في الإسلام. قال أبو بكر بن العربي مبيناً كذب ذلك: "هذا كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة ووضعته التاريخية للملوك فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع"٣.

ولم يكتف الواضعون من أهل التاريخ بهذا بل وسموا الحكمين بصفات يتخذون منها وسيلة للتفكه والتندر، وليتخذ منها أعداء الإسلام صوراً هزيلة لأعلام الإسلام في المواقف الحرجة، فقد وصفوا عمرو بن العاص رضي الله عنه بأنه كان صاحب غدر وخداع"٤ ووصفوا أبا موسى بأنه كان أبله ضعيف


١ـ دومة الجندل: اسم مكان على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعضهم يعدها من أعمال المدينة "معجم البلدان" ٢/٤٨٦.
٢ـ ذكره ابن العربي في العواصم من القواصم ص/١٧٤-١٧٦، وانظر تاريخ الأمم والملوك ٥/٧١، الكامل لابن الأثير ٣/٣٣٢-٣٣٣، البداية والنهاية ٧/٣٠٩-٣١٠، ومروج الذهب ٢/٦٨٤-٦٨٥.
٣ـ العواصم من القواصم ص/١٧٧.
٤ـ انظر تاريخ الطبري ٥/٧٠-٧١، الكامل لابن الأثير ٣/٣٣٢-٣٣٣، مروج الذهب ٢/٦٨٤-٦٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>