للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

خالصة فيه، وكأن البدعة لم تكن فيه، وإنما لم أقل إن البدعة لم تكن فيه لما ورد في الصحيح: "أنا فرطكم على الحوض، فليرفعن إلى رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: إي رب أصحابي، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك". فهذا الحديث يدل أوضح دلالة على أن من الصحابة من يحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم بعد انقراض قرن الصحابة أتى أمته ما يوعدون من الحوادث والبدع، وكلما أحدثت بدعة رفع مثلها من السنة، ولكن في قرن التابعين وأتباع التابعين لم تظهر البدع ظهوراً فاشياً، وأما بعد قرن أتباع التابعين فقد تغيرت الأحوال تغيراً فاحشاً، وغلبت البدع، وصارت السنة غريبة، واتخذ الناس البدعة سنة والسنة بدعة، ولا تزال السنة في المستقبل غريبة إلا ما استثنى من زمان المهدي رضي الله عنه وعيسى عليه السلام، إلى أن تقوم الساعة على شرار الناس.

يدل على ذلك الأحاديث والآثار التي نذكرها الآن بحوله وقوته، منها: حديث عمران بن حصين رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة: "ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون، ولا يؤتمنون وينذرون ولا يفون ويظهر فيهم السمن" رواه البخاري ومسلم.

ومنها حديث الأسلمي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله بألة". رواه البخاري.

قال الحافظ في الفتح: ووجدت لهذا الحديث شاهداً من رواية الفزارية امرأة عمر بلفظ "تذهبون الخير فالخير، حتى لا يبقى منكم إلا حثالة كحثالة التمر، ينزو بعضهم على بعض نزو المعز". أخرجه أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر وقال بُعيْدَه: ووقع في آخر حديث الفزارية المذكور آنفاً: "على أولئك تقوم الساعة". وقال في الفتح أيضاً قال ابن بطال: وفيه أنه يجوز انقراض أهل الخير في آخر الزمان حتى لا يبقى إلا أهل الشر، واستدل به على جواز خلو الأرض من عالم حتى لا يبقى إلا أهل الجهل صرفاً". اهـ.

<<  <   >  >>