للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ذكر تلك الأحاديث كلها الهيثمي في مجمع الزوائد: نعم في الوعيد على من فارق الجماعة أحاديث صحيحة لعل صاحب الرسالة لم يظفر بها، وإلا فلا وجه لترك ما هو في أعلى درجة الصحة وذكر ما دونه، وهذا أدل دليل على قصور نظره في صنعة الحديث:

منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية". وفي رواية: "من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية". وفي رواية: "ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية". رواه البخاري ومسلم والدارمي.

ومنها حديث أبي هريرة: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية". وفي لفظ: "من خرج من الطاعة ثم مات مات ميتة جاهلية". رواه مسلم والنسائي.

ومنها حديث ابن عمر: "من خلع يداً من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية". ولكن ليس فيها ولا في غيرها مما فيه وعيد على مفارق الجماعة دلالة على مطلوب الخصم من لزوم اتباع الجمهور، كيف والمراد بالجماعة في تلك الأحاديث هو معظم الناس الذين يجتمعون على طاعة السلطان.

يدلك على هذا ما ورد في بعض الروايات من لفظ السلطان ومثله، وليعم أنه لا يبعد أن يكون الحامل على ترك ما هو في أعلى درجة الصحة وذكر ما هو دونه هو زعم أن إرادة الجمهور من لفظ الجماعة في القسم الأول غير متعسرة، بخلاف القسم الثاني، فإن كان هذا فهو أبعد من الديانة على ما لا يخفى.

قوله: وقد ذكر العلامة ابن الجوزي في كتابه المسمى (تلبيس إبليس) أحاديث كثيرة في التحذير من مفارقة السواد الأعظم.

أقول: يعلم من هذا ديانة المؤلف من وجوه:

(الأول) أن صاحب هذه الرسالة نقل ما ذكر ابن الجوزي في التحذير من

<<  <   >  >>