للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مضرته وعطبه وشقاوته فأوامر الرب تعالى رحمة وإحسان وشفاء ودواء وغذاء للقلوب وزينة للظاهر والباطن وحياة للقلب والبدن وكم في ضمنه من مسرة وفرحة ولذة وبهجة ونعيم وقرة عين فما يسميه هؤلاء تكاليف إنما هو قرة العيون وبهجة النفوس وحياة القلوب ونور العقول وتكميل للفطر وإحسان تام إلى النوع الإنساني أعظم من إحسانه إليه بالصحة والعافية والطعام والشراب واللباس فنعمته على عباده بإرسال الرسل إليهم وإنزال كتبه عليهم وتعريفهم أمره ونهيه وما يحبه وما يبغضه أعظم النعم وأجلها وأعلاها وأفضلها بل لا نسبة لرحمتهم بالشمس والقمر والغيث والنبات إلى رحمتهم بالعلم والإيمان والشرائع والحلال والحرام فكيف يقال أي حكمة في ذلك وإنما هو مجرد مشقة ونصب بغير فائدة فوالله أن من زعم ذلك وظنه في أحكم الحاكمين لأضل من الأنعام وأسوأ حالا من الحمير ونعوذ بالله من الخذلان والجهل بالرحمن وأسمائه وصفاته وهل قامت مصالح الوجود إلا بالأمر والنهي وإرسال الرسل وإنزال الكتب ولولا ذلك لكان الناس بمنزلة البهائم يتهارجون في الطرقات ويتسافدون تسافد الحيوانات لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ولا يمتنعون من قبيح ولا يهتدون إلى صواب وأنت ترى الأمكنة والأزمنة التي خفيت فيها آثار النبوة كيف حال أهلها وما دخل عليهم من الجهل والظلم والكفر بالخالق والشرك بالمخلوق واستحسان القبائح وفساد العقائد والأعمال فإن الشرائع بتنزيل الحكيم العليم أنزلها وشرعها الذي يعلم ما في ضمنها من مصالح العباد في المعاش والمعاد وأسباب سعادتهم الدنيوية والأخروية فجعلها غذاء ودواء وشفاء وعصمة وحصنا وملجأ وجنة ووقاية وكانت بالقياس إلى مصالح الأبدان بمنزلة حكيم عالم ركب للناس أمرا يصلح لكل مرض ولكل ألم وجعله مع ذلك غذاء للأصحاء فمن يغذي به من الأصحاء غذّاه ومن يداوي به من المرض شفاه وشرائع الرب تعالى فوق ذلك وأجل منه وإنما هو تمثيل وتقريب فلا أحسن من أمره ونهيه وتحليله وتحريمه أمره قوت وغذاء وشفاء ونهيه حمية وصيانة فلم يأمر عباده بما أمرهم به حاجة منه إليهم ولا عبثا بل رحمة وإحسانا ومصلحة ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا منه بخلا عليهم بل حماية وصيانة عما يؤذيهم ويعود عليهم بالضرر إن تناولوه فكيف يتوهم من له مسكة من عقل خلوها من الحكم والغايات المحمودة المطلوبة لأجلها ولهذا استدل كثير من العقلاء على النبوة بنفس الشريعة واستغنوا بها عن طلب المعجزة وهذا من أحسن الاستدلال فإن دعوة الرسل من أكبر شواهد صدقهم وكل من له خبرة بنوع من أنواع العلوم إذا رأى حاذقا قد صنف فيه كتابا جليلا عرف أنه من أهل ذلك العلم بنظره في كتابه وهكذا كل من له عقل وفطرة سليمة وخبرة بأقوال الرسل ودعوتهم إذا نظر في هذه الشريعة قطع قطعا نظير القطع بالمحسوسات أن الذي جاء بهذه الشريعة رسول صادق وأن الذي شرعها أحكم الحاكمين ولقد شهد لها عقلاء الفلاسفة بالكمال والتمام وأنه لم يطرق العالم ناموس أكمل ولا أحكم هذه شهادة الأعداء وشهد لها من زعم أنه من الأولياء بأنها لم تشرع لحكمة ولا لمصلحة وقالوا أي حكمة في الإلزام بهذه التكاليف الشاقة المتعبة وأي مصلحة للمكلف في ذلك وأي غرض للمكلف وما هي إلا محض المشيئة المجردة من قصد غاية أو حكمة ولو استحي هؤلاء من العقلاء لمنعهم الحياء من تسويد القلوب والأوراق بمثل ذلك وهل تركت الشريعة خيرا ومصلحة إلا جاءت به وأمرت به وندبت إليه وهل تركت شرا ومفسدة إلا نهت عنه وهل تركت لمفرح أفراحا

<<  <   >  >>