ذاقه الأبوان عند الذبح أيسر من الآلام التي كانوا تجرعوها باستعباد فرعون وقومه لهم بكثير فحظي بذلك الآباء والأبناء وأراد سبحانه أن يرى عباده ما هو من أعظم آياته وهو أن يربي هذا المولود الذي ذبح فرعون ما شاء الله من الأولاد في طلبه في حجر فرعون وفي بيته وعلى فراشه فكم في ضمن هذه الآية من حكمة ومصلحة ورحمة وهداية وتبصرة وهي موقوفة على لوازمها وأسبابها ولم تكن لتوجد بدونها فإنه ممتنع فمصلحة تلك الآية وحكمتها غمرت مفسدة ذبح الأبناء وجعلتها كأن لم تكن وكذلك الآيات التي أظهرها سبحانه على يد الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم والعجائب والحكم والمصالح والفوائد التي في تلك القصة التي تزيد على الألف لم تكن لتحصل بدون ذلك السبب الذي كان فيه مفسدة حزونة يعقوب ويوسف ثم انقلبت تلك المفسدة مصالح اضمحلت في جنبها تلك المفسدة بالكلية وصارت سببا لأعظم المصالح في حقه وحق يوسف وحق الإخوة وحق امرأة العزيز وحق أهل مصر وحق المؤمنين إلى يوم القيامة فكم جنى أهل المعرفة بالله وأسمائه وصفاته ورسله من هذه القصة من ثمرة وكم استفادوا بها من علم وحكمة وتبصرة وكذلك المفسدة التي حصلت لأيوب من مس الشيطان به بنصب وعذاب اضمحلت وتلاشت في جنب المصلحة والمنفعة التي حصلت له ولغيره عند مفارقة البلاء وتبدله بالنعماء بل كان ذلك السبب المكروه هو الطريق الموصل إليها والشجرة التي جنيت ثمار تلك النعم منها وكذلك الأسباب التي أوصلت خليل الرحمن إلى أن صارت النار عليه بردا وسلاما من كفر قومه وشركهم وتكسيره أصنامهم وغضبهم لها وإيقاد النيران العظيمة له وإلقائه فيها بالمنجنيق حتى وقع في روضة خضراء في وسط النار وصارت آية وحجة وعبرة ودلالة للأمم قرنا بعد قرن فكم لله سبحانه في ضمن هذه الآية من حكمة بالغة ونعمة سابغة ورحمة وحجة وبينة لو تعطلت تلك الأسباب لتعطلت هذه الحكم والمصالح والآيات وحكمته وكماله المقدس يأبى ذلك وحصول الشيء بدون لازمه ممتنع وكم بين ما وقع من المفاسد الجزئية في هذه القصة وبين جعل صاحبها إماما للحنفاء إلى يوم القيامة وهل تلك المفاسد الجزئية إلا دون مفسدة الحر والبرد والمطر والثلج بالنسبة إلى مصالحها بكثير ولكن الإنسان كما قال الله تعالى:{ظَلُوماً جَهُولاً} ظلوم لنفسه جهول بربه وعظمته وجلاله وحكمته وإتقان صنعه وكم بين إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة على تلك الحال ودخوله إليها ذلك الدخول الذي لم يفرح به بشر حبورا لله وقد اكتنفه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله والمهاجرون والأنصار قد أحدقوا به والملائكة من فوقهم والوحي من الله ينزل عليه وقد أدخله حرمه ذلك الدخول فأين مفسدة ذلك الإخراج الذي كان كأن لم يكن ولولا معارضة السحرة لموسى بإلقاء العصي والحبال حتى أخذوا أعين الناس واسترهبوهم لما ظهرت آية عصا موسى حتى ابتلعت عصيهم وحبالهم ولهذا أمرهم موسى أن يلقوا أولا ثم يلقي هو بعدهم ومن تمام ظهور آيات الرب تعالى وكمال اقتداره وحكمته أن يخلق مثل جبريل صلوات الله وسلامه عليه الذي هو أطيب الأرواح العلوية وأزكاها وأطهرها وأشرفها وهو السفير في كل خير وهدى وإيمان وصلاح ويخلق مقابله مثل روح اللعين إبليس الذي هو أخبث الأرواح وأنجسها وشرها وهو الداعي إلى كل شر وأصله ومادته وكذلك من تمام قدرته وحكمته أن خلق الضياء والظلام والأرض والسماء والجنة والنار