للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

بأسره فصبر المسيح ولم ينازع، واستسلم ولم يدافع، فهذه هي الحكمة في قتل المسيح وصلبه١.

والجواب أن نقول: أليس قد وافقتم على أن آدم لما ورد عليه العتاب استرجع وتاب وأقلع وأناب؟ وإذا كان الأمر كذلك فأيّ شيء / (١/١٤٣/أ) أنفت التوبة من ذنبه حتّى يقتل المسيح فِدَاءَ عنه؟!.

والتائب من الذنب كمن لا ذنب له فصار قتل المسيح عبثاً، والرّبّ يتعالى ويتقدّس عن العبث، وليس قوله تعالى لآدم نصاً، بل هو ظاهر يدخله النسخ والتخصيص والدليل عليه أنه لو وصله بالكلام وقال: إن عصيتني عذّبتك إلاّ أن تتوب، لقبله الكلام ولم ينب عنه، ولعُدَّ كلاماً حسناً، وإنما ترك الزيادة فلم يصلها بالكلام ليكون أدعى إلى الانكفاف، وهكذا كلّ ظاهر فإنه يرد مطلقاً بلفظ يوهم التأبيد ثم يجيئ الناسخ والمخصّص فيبيّن أن المطلوب وقتاً


١ هذا هو الأساس الثاني من أسس العقيدة النصرانية المنحرفة، وهو بإيجاز: الاعتقاد بصلب المسيح تكفيراً عن خطيئة آدم التي انتقل إثمها إلى ذريته من بعده.
ومنشأ هذه العقيدة يُبينه لنا أرنست ذي بولس الألماني في كتابه: (الإسلام والنصرانية الحقّة ص ١٤٢) ، إذ يقول: "إن جميع ما يختص بمسائل الصلب والفداء هو من مبتكرات ومخترعات بولس ومن شابهه من الذين لم يروا المسيح، لا من أصول النصرانية الأصلية". اهـ.
ويضيف المؤرخ ول ديورانت بأن عوامل عديدة قد أوحت إلى بولس بتلك العقيدة، منها: انقباض نفس بولس وندمه بالصورة التي استحال إليها المسيح في خياله، وتأثره بالفلسفة الأفلاطونية والرواقية التي تنبذ المادة والجسم واعتبارهما شرّاً وخبثاً. وتأثره كذلك بالطقوس الوثنية في التضحية الفدائية للتكفير عن خطايا الناس، وتلك عقيدة موجودة عند الوثنيين في مصر وآسيا الصغرى وبلاد اليونان التي تؤمن بالآلهة التي ماتت لتفتدي بموتها بني الإنسان. (ر: قصة الحضارة ١١/٢٦٣-٢٦٥، بتصرف) .
ولاستحالة هذه العقيدة ووضوح بطلانها في العقول والفطر السليمة فإنها كانت من أهمّ الأسباب التي أدّت بالمهتدي عبد الأحد داود إلى اعتناقه الإسلام ونبذه النصرانية وتأليفه كتاب: (الإنجيل والصليب) .
(للتوسع، ر: الفارق بين المخلوق والخالق ص ٢٧٨، وما بعدها، لعبد الرحمن البغدادي، الإنجيل والصليب ص ٦-١٠، ١٢٤-١٢٧، وكتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ص ٤٨-٥٧، وما بعدها للأستاذ محمّد طاهر التنير، وكتاب المسيح إنسان أم إله ص ١٣١-١٦٢، المهتدي محمّد مجدي مرجان، وغير ذلك ... ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>