فيقال: إن المراد عبادتهم والعمل لهم باطل، وقد يقال عن الشيء أنه لا شيء لانتفاء المقصود منه ليس بشيء وكما قال ﷺ عن الكهان لما سئل عنهم فقال:"ليسوا بشيء" فقالوا إنهم يحدثون أحيانًا الشيء يكون حقا، فقال رسول الله ﷺ:"تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرُّها في أذن وليه قرَّ الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة"(١). فهم ليسوا بشيء: أي لا ينتفع بهم فيما يقصد منهم، وهو الاستخبار عن الأمور الغائبة لأنهم يكذبون كثيرًا فلا يدرى ما قالوه أهو صدق أم كذب. وهم مع ذلك موجودون يضلون ويضلون.
فقوله:"ليس بشيء" مثل قوله: "ألا كل شيء ما خلا الله باطل" وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وأنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الباطِل﴾ فهو من جهة كونه معبودًا باطل لا ينتفع به ولا يحصل لعابده مقصود العبادة وإن كان من جهة أخرى هو شمس وقمر ينتفع بضيائه ونوره وهو يسجد لله ويسبحه. وكذلك الملائكة والأنبياء إذا نفي عنهم كونهم آلهة معبودين وتبين أن عبادتهم عمل باطل لا ينتفع به، لم ينف ذلك ما يستحقونه من الإجلال والإكرام وعلو قدرهم عند الله تعالى.
والتبري من عبادتهم وكونهم معبودين، لا من موالاتهم والإيمان بهم وقولهم ﴿إنّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي ومن عبادتهم ومن كونهم معبودين كما قال الخليل ﵇: ﴿يا قَوْمِ إنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام] فهو بريء من كل شريك لله من جهة كونه جعل شريكا وندًا لله ولم يبرأ منه من جهات أخرى.
(١) أخرجه مسلم في صحيحه، كناب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان برقم (٢٢٢٨).