للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كونه يُحِبّ أبلغ وأبلغ؛ فلا يُثبتون إلا مشيئته أن يخلق فقط، وهي لا تتعلّق إلا بمعدوم. فأمّا أن يُحِبّ موجوداً من خَلْقِه، فهذا باطل عند الطائفتين١. لكنّ المجبرة يقولون: محبّته هي مشيئته، وقد شاء خَلْقَ كلّ شيء، فهو يُحِبّ كلّ شيء٢. والنفاة يقولون: محبّته هي إرادته إثابة المطيعين؛ وهي مشيئة خاصّة٣.

والذي جاء به الكتاب والسنّة، واتفق عليه سلف الأمة، وعليه مشايخ المعرفة، وعموم المسلمين: أنّ الله يُحِبّ، ويُحَبّ؛ كما نطق بذلك الكتاب والسنّة في مثل قوله: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّوْنَهُ} ٤، ومثل قوله: {وَالَّذِيْنَ آمَنُوْا أَشَدُّ حُبَّاً لِلَّهِ} ٥، وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللهَ فاتَّبِعُوْنِيْ يُحْبِبْكُمُ اللهُ} ٦.

لا يُحبّ لذاته محبة مطلقة إلا الله وحده

بل لا شيء يُستحقّ أن يُحَبّ لذاته محبّة مطلقة إلا الله وحده. وهذا من معنى كونه معبوداً٧؛ فحيث جاء القرآن بالأمر بالعبادة، والثناء على أهلها، أو على المنيبين إلى الله، والتوّابين إليه، أو الأوّابين، أو المطمئنّين بذكره، أو المحبين له، ونحو ذلك: فهذا كلّه يتضمّن محبته. وما لا يُحَبّ يمتنع٨


١ القدرية المجبرة، والقدرية النافية على السواء في ذلك.
٢ نقل ذلك عنهم القاضي عبد الجبار المعتزلي في المحيط بالتكليف ص ٤٠٨.
٣ انظر: المغني في أبواب التوحيد والعدل لعبد الجبار ٦٣، ٤، ٥. وانظر: منهاج السنة النبوية ٥٣٨٨.
٤ سورة المائدة، الآية ٥٤.
٥ سورة البقرة، الآية ١٦٥.
٦ سورة آل عمران، الآية ٣١.
٧ إذ العبادة تتضمّن معنى الحبّ، ومعنى الذلّ؛ فهي تتضمّن كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في موضع آخر: (غاية الذلّ لله، بغاية المحبّة له) . انظر: العبودية ص ٦.
٨ في ((م)) ، و ((ط)) : ممتنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>