النِّسَاءِ ولا الغِلْمَان، فقال لي: أرأيْتَ الغلام ذا الأصْداغِ الجالس إلى حَانُوْت كَذَا من السُّوق، وكان غُلَامًا وسيمًا فَحَّاشًا فيما هو بسَبِيْله، فقُلتُ: نعم؛ وأعْرِفُهُ، فقال: امضِ فأتِني به واتَّخِذ دعْوةً وأَنْفِق وأَكْثِر، فقُلتُ: وكم قَدْر ما أُنْفقُه، فلم يزدْني على قَوْلِه: أَنْفق وأَكْثِر، وكُنْتُ أَسْتَطلعُ رأيَهُ في جميع ما أُنْفِقُ، فمضَيْتُ، واتَّخذتُ له ثلاثة ألوان من الأطعمة وصحفات من الحَلْوَاء، واسْتَدْعَيْتُ الغُلَام، فأجاب وأنا مُتَعَجِّبٌ من جميع ما أسمَعُ منه، إذ لم تَجْرِ له عادَةٌ بمثله، فعاد من دار سَيف الدولة آخر النهار وقد حضر الغلام، وفُرِغَ من اتِّخَاذ الطعام، فقال: قَدِّم ما يُؤْكل ووَاكِلْ ضَيْفَكَ، فقدمت الطعام فأكلا وأنا ثالثهما، ثم أجَنّ اللَّيلُ، فقدَّمْتُ شمعةً ومرفَع دفاتره، وكانت تلك عادتُهُ كل ليلة، فقال: أحْضِر لضيفِكَ شرابًا واقْعُد إلى جانبه فنادِمْهُ، ففعلْتُ ما أمرني به، كل ذلك وعينه إلى الدَّفْتَر يدْرُس ولا يلتفتُ إلينا إلَّا في الحين بعد الحين، فما شربنا إلَّا قليلًا حتى قال: افرش لضيفك وافرُش لنفسك وبَتْ ثالثنا، ولم أكُن قبل ذلك أُبايتُهُ في بَيْتِه، فَفَعْلتُ وهو يدرسُ حتَّى مضى من الليل أكْثرهُ، ثم آوَى إلى فراشه ونام، فلمَّا أصبحنا قُلتُ له: ما يصنَعُ الضيفُ؟ فقال: احْبُهُ واصْرِفْهُ، فقلتُ له: وكم أُعطيه؟ فأطْرَقَ ساعةً ثم قال: أَنْطِهِ ثلاثمائة دِرْهم، فتعجَّبْتُ من ذلك، ثم جسَّرتُ نَفْسِي فدَنَوتُ إليه وقُلتُ: إنَّهُ ممَّن يُجِيْبُ بالشَّيء اليسير، وأنت لم تَنَلْ منه حظًّا، فقطَّبَ ثم قال: أتظُنُّني من هؤلاء الفسقة، أَنْطِهِ ثلاثمائة درهم ولينصرف راشدًا، قال: ففعَلْتُ ما أمرني به، وصَرَفْتُهُ قال: وهذا من بديع أخباره، ولولا قوَّةُ إسنَادِهِ لما صَدَّقتُ به.
أنبأنا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن أبي الفَتْح بن البَطِّيّ، عن أبي نصر الحُمَيْدِيّ، قال: أخبرني غَرْسُ النِّعْمَة أبو الحَسَن مُحَمَّد بن هِلِّل بن المُحَسِّن بن أبي إسْحاق الصَّابِئ، قال: وحدَّثني رضي الله عنه -يعني والده هِلِّل بن المُحَسِّن- قال: حدَّث الرَّضِيُّ أبو الحَسَن مُحَمَّد بن الحُسَين المُوْسَويّ، قال: حدثني أبو