للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَدَ فِي الْكِلَابِ، أَعْنِي: قول تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤]).

الفقهاء تعمَّقُوا في كتاب الصيد وبحثوا كلياته وجزئياته، وربما يرى الكثير الآن أنه لا حاجة لذلك؛ لأن الناس استغنوا، لكن القضية أنه فيما مضى كان الناس يحتاجون إلى الصيد، وربما تمرُّ بالإنسان الشهور والأيام دون أن يذوق طعم اللحم، ورسول الله قول تعالى: - صلى الله عليه وسلم - تمضي عليه الأيام والليالي وليس في بيته إلا الأسودان الماء والتمر (١)، وأحيانًا نجد أنه - عليه الصلاة والسلام - يربط الحجر على بطنه (٢)، وربما يضع الحصى، وحدث هذا من بعض الخلفاء (٣) - رضي الله عنهم - فكانوا عبادًا بالليل رهبانًا بالنهار، قد ظهرت آثار الصلاة في جباههم وأنوفهم، فالصحابة - رضي الله عنهم - كان أكثرهم شبابًا، لا يُشغلهم إلَّا طاعةُ الله سبحانه وتعالى، فهم في هذه الحياة الدنيا يمضونها بلقيماتٍ من الطعام، وبقليلٍ من الماء يدفعون به ذلك، ولكن غاية هَمِّهِمْ الجنة، كانوا يعدون أنفسهم للآخرة؛ لأن هذه الحياة الدنيا إنما هي فانية.


(١) معنى حديث أخرجه البخارى (٢٥٦٧)، ومسلم (٢٩٧٢) عن عائشة - رضي الله عنهما -، أنها قالت لعروة: ابنَ أختي "إن كُنَّا لننظرُ إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلَّة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار"، فقلت يا خالة: ما كان يُعيشكم؟ قالت:"الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانهم، فيسقينا".
(٢) أخرجه أحمد (١٤٢٢٠) عن جابر، قال: "لما حفر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الخندق، أصابهم جهد شديد، حتى ربط النبي - صلى الله عليه وسلم - على بطنه حجرًا من الجُوع". وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري.
(٣) في بعض الآثار: "أن أبا بكر الصديق كان يضع حصاة في فيه يمنع بها نفسه من الكلام، وكان يشير إلى لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد". ولم أقف عليه مسندًا.
وأخرج مالك في الموطأ (٢/ ٩٨٨) عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه، فقال له عمر: مه غفر الله لك، فقال أبو بكر: "إن هذا أوردني الموارد".

<<  <  ج: ص:  >  >>