للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنِّفُ قلت: وهذا مخُالفةٌ للشرع، فإنَّ اللهَ تعالى يقول: ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ [البقرة: ١٩٧] ورسولُ اللهِ قد تزوَّد، ولا يُمكن أن يُقالَ: إنَّ هذا الآدميَّ لا يحتاجُ إلى شيءٍ في مُدَّةِ أشهرٍ، فإنِ احتاجَ فعطِبَ أثِمَ، وإن سَألَ النَّاسَ أو تعرَّضَ لهُم؛ لم يفِ ذلك بدعوَى التوكُّل، وإنِ ادَّعَى أنهُ يُكرَمُ فيُرزَقُ بلا سَببٍ، فَنَظَرُهُ إلى أنَّهُ مُستَحِقٌ لذلِكَ محِنةٌ! ولو تبعَ أمرَ الشَّرعِ فحمَل الزَّادَ كان أصلَحَ لهُ على كلِّ حالٍ.

وأنبأنا أبو زُرعَةَ طاهِرُ بن محمد بنِ طاهرٍ، قال: أخبَرني أبِي عن بعضِ المتصوِّفةِ، أنهُ قدِمَ عليهِ مكَّةَ جماعة من المتصوِّفَة، فقال لهم: من صحِبتُم؟ فقالوا: حاجَّ اليمن. فقال: أوَّه أوَّه! التصوُّفُ قد صارَ إلى هذا، والتوكُّل قد ذهب! أنتم ما جِئتُم على الطَّريقةِ والتصوُّف، وإنَّما جِئتُم في مائِدةِ اليمنِ إلى مائِدةِ الحرم.

ثم قال: وحقِّ الأخيار والفتيانِ (١)، لقد كنَّا أربعةَ نفرٍ مصطَحِبِينَ في هذهِ الطَّريقِ، نخرُجُ إلى النَّبيِّ على التجريدِ (٢) ونتعاهدُ بيننا أن لا نلتَفِت إلى مخلوقٍ ولا نستندَ إلى


(١) هذا حلف بغير الله؛ وهو حرام ومنهي عنه شرعًا، فقد قال رسول الله : "من حلف بغير الله؛ فقد كفر أو أشرك". عن ابن عمر مرفوعًا. أخرجه أبو داود رقم (٣٢٥١) والترمذي رقم (١٥٣٥) وقال: حديث حسن. والإمام أحمد في المسند ٢/ ٣٤، ٥٨. ٦٠، ٦٧، ٨٧، ١٢٥ وأخرجه الحاكم في المستدرك ٤/ ٢٩٧ وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (٢٧٨٧)، وفي صحيح سنن الترمذي رقم (١٢٤٢)، وفي إرواء الغليل رقم (٢٥٦١) وقال: صحيح.
وانظر لمزيد بيان في حكم الحلف بغير الله: التمهيد لابن عبد البر ١٤/ ٣٦٦ وانظر: فتح الباري ١١/ ٥٣١ وتيسير العزيز الحميد ص ٥٨٩ - ٥٩٤ والقول المفيد على كتاب التوحيد ٢/ ٣٢٣ - ٤٢٨.
(٢) قوله: على التجريد: أي متجردين عن كل زاد ومتاع في سفرهم ذلك.
وقوله: نخرُجُ إلى النَّبيِّ : عنى: قبر النبي وهو هكذا في نسخ دار الكتب المصرية- للسلام عليه. وينبه هنا على أنه لا يجوز شد الرحال لزيارة قبر النبي كما أوضح ذلك وبينه شيخ الإسلام في العقود الدرية ٢١٩ - ٢٤٠ والرد على البكري ١/ ١٤٣ والفتاوى ٢٤/ ٣٥٦ و ٢٧/ ١٦٥. والكلام هناك يطول حول هذه المسألة.

<<  <   >  >>