للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القريةِ، ولا أكَلَه إلَّا رجلٌ غريبٌ، فخَرَجنا نطلُبُ في المساجِدِ رجُلًا غَرِيبًا، فلم نجِد إلى أن انتهَينا إليكُم، ولَو لم يأكُل هذَا الشَّيخ لقتَلْتُه ضَربًا إلى أن يأكُل؛ لئلَّا تُطَلَّقَ سِيَّدَتِي من زوجِها قال: فقال لي الشَّيخ: كيفَ تراهُ إذا أرادَ أن يرزُق (١)؟!

قال المصنف : قلت: ربَّما سمع هذا جاهلٌ فاعتقَدَهُ كرامةً، وما فعلَهُ الرجلُ مِن أقبحِ القبيحِ، فإنهُ يجرِّبُ على اللهِ ويتألَّى علَيهِ، ويحمِلُ علَى نفسِهِ من الجُوعِ ما لا يجوزُ له، ولا ينكر بأنه لَطَفَ بهِ، إلَّا أنهُ فعل ضدّ الصَّوابِ، وربما كانَ انفاذ ذلكَ ردِيئًا لهُ؛ لأنَّهُ يعتقِدُ أنهُ قد أُكرِمَ، وأنَّ لهُ منزِلة.

وكذلِكَ حِكاية حاتمٍ التي قبلها، فإنَّها إن صحَّت دلَّت علَى جهل بالعلمِ، وفعلٍ لما لا يجوزُ؛ لأنه ظنَّ أنَّ التوكُّل إنما هُو تركُ التسبُّب، فلَو عمِل بمقتضَى واقِعتهِ لم يمضُغِ الطَّعامَ ولم يبلَعْهُ، ثمَّ أيُّ قُربةٍ في هذا الفِعلِ الباردِ، وما أظنُّ غالبهُ إلَّا مِن المالِيخُولِيا، فإنَّه سببٌ، وهل هذا إلَّا مِن تلاعُبِ إبليسَ بالجهَلَةِ لقلَّةِ عِلمِهِم بالشَّرع؟!

• أخبرنا عبدُ الرَّحمن بنُ محمدٍ القزَّاز، قال: أنا أحمدُ بنُ عليِّ بن ثابتٍ، قال: حدَّثنا عليُّ بنُ المحسِن القاضِي، قال: حدَّثني أبو إسحاق إبراهِيم بن أحمد الطَّبَري، قال: قال لي جعفر الخلدي: وقفتُ بعرفةَ ستًا وخَمسينَ وقفةً، منها إحدى وعشرونَ على المذهب، فقلتُ لأبي إسحاق: أيَ شيءٍ أراد بقوله: على المذهب؟ فقال: يصعَدُ إلى قنطرةِ الياسِريَّة فينفضُ كُمَّيه حتى يُعلَمَ أنه ليسَ معهُ زادٌ ولا ماءٌ، ويلُبِّي ويسير (٢).


(١) أخرجه القاضي أبو علي المحسن بن علي التنوخي في نشوار المحاضرة ٢/ ١١٢.
(٢) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ٧/ ٢٢٩.

<<  <   >  >>