وهذه الزيارة هي التي فتحت أبواب الشرك والبدع على المسلمين، إذ جعل أهلها القبور مقصدا لمن أراد الدعاء وطلب الحاجات وتفريج الكربات، وعظموها أشد من تعظيم بيوت الله تعالى فيعطونها من التعظيم والاحترام والخشوع والخضوع ما لا يفعلون بعضه في المساجد التي هي مكان العبادة والصلاة وذكر الله وسؤاله، فبذلك سعوا إلى عمارة القبور والمشاهد والبناء عليها واسراجها والدعوة إليها، وخراب المساجد وهجرها، وتقليل مكانتها وعظمتها في نفوس المسلمين.
وقد آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجا، ووضعوا له مناسك، حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك وسماه "مناسك حج المشاهد" مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام، ودخول في دين عبادة الأصنام، فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده، من النهي عما تقدم ذكره في القبور، وبين ما شرعه هؤلاء وقصدوه، ولا ريب أن في ذلك من المفاسد ما يعجز العبد عن حصره١.
والذين هذا حالهم في زيارتهم للقبور قد تنكبوا الصواب، وغفلوا عن الرشد، وكان أولى لهم من زيارة قبور من يعتقدون صلاحهم للتوسل كان أولى لهم أن يقتدوا بهم في أعمالهم ويتبعوا سبيلهم، يخافون من الله كما يخافون، ويرجون رحمته كما كانوا يرجون. قال الله جل شأنه: