للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الأول: أن الجويني قسم الضرورات ثلاثة أقسام: قسم: لا يستباح إلا بالضرورة لفحشه أو بعده عن الحل، فيرعى الشرع فيه تحقق وقوع الضرورة، ولا يكتفي بتصورها في الجنس، بل يعتبر تحققها في كل شخص؛ كأكل الميتة وطعام الغير (١)، وقسم: "يتناهى قبحه في مورد الشرع، فلا تبيحه الضرورة أيضًا، بل يوجب الشرع الانقياد للتهلكة والانكفاف عنه؛ كالقتل والزنا في حق المجبر عليهما" (٢)، والقسم الثالث: ما يرتبط في أصله بالضرورة، ولكن لا ينظر الشرع في الآحاد والأشخاص وهذا كالبيع وما في معناه، فليس البيع قبيحا في نفسه عرفًا أو شرعًا (٣)، فالضرورة عند الجويني على هذا التقسيم هي كل ما أباح المحرم، والحاجة تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحرم القريب من الحل، أو غير القبيح على اصطلاحه، أما ما كان بعيدًا عن الحل أو كان فاحشًا، فالحاجة لا تجيزة، وأما القسم الثاني فلا تبيحه الضرورة، والحاجة من باب أولى، فالحاجة تنزل منزلة الضرورة في قسم من أقسامها فقط، ولا تنزل منزلتها مطلقًا.

الأمر الثاني: أن هناك اختلافًا وتداخلًا في مصطلح الحاجة والضرورة، وقد تطور مفهوم الحاجة والضرورة من عصر الجويني إلى العصور التي بعده مما أدى إلى تطبيق القاعدة في غير محلها؛ فالحاجة عند الجويني: "لفظة مبهمة لا يضبط فيها قول … وليس من الممكن أن نأتي بعبارة عن الحاجة نضبطها ضبط التخصيص والتمييز حتى تتميز تميز المسميات والمتلقبات بذكر أسمائها وألقابها، ولكن أقصى الإمكان في ذلك من البيان تقريب وحسن ترتيب" (٤). وأقصى الإمكان في بيان الحاجة عند الجويني؛ أنه ليس


(١) المرجع السابق ٢/ ٨٦.
(٢) المرجع السابق.
(٣) انظر: البرهان، للجويني ٢/ ٨٦.
(٤) غياث الأمم في التياث الظلم، للجويني، ص ٤٧٩ - ٤٨٠.

<<  <   >  >>