للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعلماء لما تكلموا عن الغرر اليسير ذكروا أنه ما يتسامح فيه الناس (١)، والمتسامح فيه هو ما يقيد به المذهب الحنبلي اللقطة الجائز التقاطها دون تعريف: "بما لا تتبعه همة أوساط الناس" (٢)؛ فالشريعة لما أجازت أخذ اللقطة التي لا تتبعها همة أوساط الناس دون تعريف دل ذلك على أن هذا هو القدر المتسامح فيه، والخلاف في تقدير ما لا تتبعه همة أوساط الناس قليل بين العلماء، فيصلح أن يكون ضابط الغرر اليسير المعفو عنه هو: ما لا تتبعه همة أوساط الناس، وما عداه يبقى على أصل المنع، "فإن شك في كونه يسيرًا فالأقرب المنع" (٣) إبقاءً على الأصل، إلا أن يكون ثمة حاجة للغرر، ولا يمكن التحرز منه.

الأمر الرابع: أن تدعو إليه الحاجة، ولا يمكن التحرز منه إلا بمشقة (٤)؛ فإذا كانت هناك حاجة للغرر، ولا يمكن التحرز منه إلا بمشقة، فإنه يجوز في هذه الحالة، فتحريم الغرر أخف من تحريم الربا؛ لذا يجوز الغرر للحاجة، ولا يجوز الربا إلا للضرورة، قال ابن تيمية: "ومفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه، فإن تحريمه أشد ضررًا من ضرر كونه غررًا" (٥). وقال: "والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر؛ بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك" (٦). وقال ابن رشد في وصف الغرر غير المؤثر: " وأن غير المؤثر هو اليسير، أو الذي تدعو إليه الضرورة، أو ما


(١) انظر: فتح الباري، لابن حجر ٤/ ٣٥٧، تكملة المجموع، للمطيعي ١٣/ ٢٨، الممتع، لابن عثيمين ١٠/ ١٠٧.
(٢) المبدع في شرح المقنع، لابن مفلح ٥/ ١١٩، كشاف القناع، للبهوتي ٤/ ٢٠٩.
(٣) حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي ٥/ ٧٥.
(٤) انظر: قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة ٢٢، العدد ٦٩، ١٤٢٨ هـ، ص ١٨٦.
(٥) القواعد النورانية، لابن تيمية، ص ١٧٢.
(٦) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ٢٩/ ٢٢٧.

<<  <   >  >>