واستمهر وجلكم «١» ، ممتحنا لكم، ومتعرّفا أخطاركم. وهل تسمو هممكم إلى منازعته، ولولا تيك لكان قسمه خسيسا، وسعيه تعيسا، لكن بدأ بالرأي «٢» وثّنى بالقضاء وثلّث بالشورى، ثم غدا سامرا مسلّطا، درّته على عاتقه، فتطأطأتم له «٣» ، وولّيتموه أدباركم، حتى علا أكتافكم، ينعق بكم في كلّ مرتع، ويشد منكم على كلّ مخنّق، لا ينبعث لكم هتاف، ولا يأتلق لكم شهاب، عرفتم أو أنكرتم، لا تألمون ولا تستنطقون، حتى إذا عاد الأمر فيكم ولكم وإليكم في مونقة من العيش، عرقها وشيج، وفرعها عميم، وظلّها ظليل، تتناولون من كثب ثمارها أنّى شئتم رغدا، وحلبت عليكم عشار الأرض دررا، واستمرأتم أكلكم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، تنامون في الخفض، وتسكنون إلى الدّعة، ومقتم زبرجة الدنيا، واستحليتم غضارتها ونضرتها، وظننتم أنّ ذلك سيأتيكم من كثب عفوا، ويتحلّب عليكم رسلا، فانتضيتم سيوفكم، وكسرتم جفونكم، وقد أبى الله أن تشام سيوف جرّدت بغيا وظلما؛ ونسيتم قول الله عزّ وجلّ: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً
(المعارج: ١٩- ٢١) . فلا يهنئكم الظفر، ولا يستوطن بكم الحضر، فإنّ الله تعالى بالمرصاد، وإليه المعاد. والله ما يقوم الظّليم إلّا على رجلين، ولا ترنّ القوس إلّا على سيتين. فأثبتوا في الغرز أرجلكم فقد ضللتم هداكم في المتيهة الخرقاء كما أضلّ أدحيته الحسل «٤» . وسيعلم كيف يكون إذا كان الناس عباديد، وقد نازعتكم الرّجال، واعترضت عليكم الأمور، وساورتكم الحروب باللّيوث، وقارعتكم الأيام بالجيوش، وحمي عليكم الوطيس، فيوما تدعون من لا يجيب، ويوما تجيبون من لا يدعو. وقد بسط باسطكم كلتا يديه يرى أنّهما