يا أهل الختر والخذل والختل، ألا فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرنّة، إنما مثلكم كمثل التي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ
(النحل: ٩٢) . ألا وهل فيكم إلا الصّلف والشّنف وملق الإماء وغمز الأعداء؟ وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة أو كقصعة «١» على ملحودة؟ ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم: أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون «٢» .
أتبكون؟ إي والله، فابكوا، فإنكم والله أحرياء بالبكاء، فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فقد فزتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا. وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنة، ومنار محجّتكم ومدرة حجّتكم، ومفزع نازلتكم؟ فتعسا ونكسا، لقد خاب السعي، وخسرت الصّفقة، وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذّلّة والمسكنة. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا
(مريم: ٨٩- ٩٠) . أتدرون أيّ كبد «٣» لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فريتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ لقد جئتم بها شوهاء خرقاء طلاع «٤» الأرض والسماء. أفعجبتم أن قطرت دما؟ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ
(فصلت: ١٦) . فلا يستخفّنّكم المهل، فإنه لا تحفزه المبادرة، ولا يخاف عليه فوت الثأر. كلا إنّ ربّك لنا ولهم ولكم بالمرصاد.
ثم ولّت عنهم فتركت الناس حيارى وقد ردّوا أيديهم إلى أفواههم. ورأيت شيخا كبيرا من بني جعفر وقد اخضلّت لحيته من دموع عينيه، وهو يقول بصوت حزين:[من الطويل]