فلا تسلم بالمواربة صداقةٌ، ولا تظفر بالعدو مع الاستسلام إليه. فضع الثقة موضعها، وأقم الحذر مقامه، وأسرع إلى التفهم بالثقة، ولا تبادر إلى التصديق، ولا سيَّما بالمحال من الأمور.
واعلم أن كل علمٍ بغائبٍ، كائناً ما كان، إنما يصاب من وجوهٍ ثلاثة لا رابع لها، ولا سبيل لك ولا لغيرك إلى غاية الإحاطات؛ لاستئثار الله بها. ولن تهنأ بعيشٍ مع شدة التحرز، ولن يتسق لك أمرٌ مع التضييع. فاعرف أقدار ذلك.
فما غاب عنك مما قد رآه غيرك مما يدرك بالعيان، فسبيل العلم به الأخبار المتواترة، التي يحملها الوليُّ والعدوُّ، والصالح والطالح، المستفيضة في الناس، فتلك لا كلفة على سامعها من العلم بتصديقها. فهذا الوجه يستوي فيه العالم والجاهل.
وقد يجيء خبرٌ أخصُّ من هذا إلا أنه لا يُعرف إلا بالسؤال عنه، والمفاجأة لأهله، كقوم نقلوا خبراً، ومثلك يحيط علمه أن مثلهم في تفاوت أحوالهم، وتباعدهم من التعارف، لا يمكن في مثله التواطؤ وإن جهل ذلك أكثر الناس. وفي مثل هذا الخبر يمتنع الكذب، ولا يتهيأ الاتفاق فيه على الباطل.