منها: أن تأتي محفلاً فيه جمعٌ من الناس، فتجلس منه دون للوضع الذي تستحقه حتى يكون أهله الذين يرفعونك، فتظهر جلالتك وعظم قدرك.
ومنها: أن يفيض القوم في حديثٍ، عندك منه مثل ما عندهم أو أفضل، فيتنافسون في إظهار ما عندهم، فإن نافستهم كنت واحداً منهم، وإن أمسكت اقتضوك ذلك، فصرت كأنك ممتنٌّ عليهم بحديثك، وأنصتوا لك ما لم ينصتوا لغيرك.
ومنها: أن يتمارى جلساؤك - والمراء نتاج اللجاجة وثمرةٌ أصلها الحمية - فإن ضبطت نفسك كان تحاكمهم إليك، ومعولهم عليك.
واعلم أن طبع النفوس - إذ كان على حسب العلو والغلبة - أن في تركيبها بغض من استطال عليها. فاستدع محبة العامة بالتواضع، ومودة الأخلاء بالمؤانسة والاستشارة، والثقة والطمأنينة.
واعلم أن الذي تُعامل به صديقك هو ضد ما تعامل به عدوك. فالصديق وجه معاملته المسالمة، والعدو وجه معاملته المداراة والمواربة، هما ضدان يتنافيان، يفسد هذا ما أصلح هذا، وكلما نقصت من أحد البابين زاد في صاحبه، إنْ قليلٌ فقليل، وإن كثيرٌ فكثير.