للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن سألتَ: لم لا يَجوزُ أن تكونَ "إلَّا" في قولك: [ما جاءَني إلا زيدٌ] (١) وَصْفًا بمعنى" غير"، ويكون ارتفاعُ زيدٍ من حيثُ إنّه سَرى إليه رَفعةُ "غيرِ" والدليلُ عليه قولُهم: ما ضَربَ إلا هندٌ، ولو كان ارتفاع هندٍ بالفاعلية لَقَبُحَ تَذكيرُ الفعلِ فيه، ولم يَقبُحْ؟ أجبتُ: لو كان إلّا ها هنا بمعنى "غير" لكان أيضًا بمعناه في قولك (٢): ما مررتُ إلّا بزيدٍ، وليس بمعنى "غير" ها هنا. لأنَّه يصيرُ المعنى ها هنا (٣) حِينئذٍ: ما مررتُ غيرَ بزيدٍ، فزيدٌ مرفوعٌ بالفاعلية كما كانَ قبلَ دُخُولِ كَلمةِ "إلَّا"، وكذلك إذا قُلتَ: ما رأيتُ إلّا زيدًا فزيدٌ منصوبٌ كما كان قبلَ دُخُولِ كَلِمَةِ إلَّا، وكذلك إذا قلتَ: ما مررتُ إلَّا بِزَيدٍ، فزيدٌ مجرورٌ قبلَ دخولِ كلمةِ إلَّا.

قالَ جارُ اللَّه: "والمشبَّهُ بالمفعولِ منهما هو الأولُ، والثاني في أحدِ وجهيه، وشَبَهُهُ به من (٤) حيثُ مجيئُه فضلةً في الكلامِ".

قالَ المشرِّحُ: عنى بالوجهِ الأولِ الضرب الأوّلِ من الأضربِ (٥) الخمسةِ، أعني: ما كانَ منصوبًا أبدًا، وهو ما استُثنِيَ بإلَّا، وعَدا، وخَلا، وما قُدِّمَ من المستثنى، وما كان استثناؤه منقطعًا. وبالثَّاني: الضَّربَ الثَّاني من الخمسةِ الأضربِ، وهو ما جَازَ فيه النصبُ والبدلُ، من كلامٍ غيرِ مُوجَبٍ، وعنى بأحدِ وجَهَيه ما نَصبتَ فيه المُستثنى، أمَّا إذا لم تَنصِبه فلا حاجةَ فيه إلى الشَّبَه. قالوا (٦): شُبّهَ المُستثنى المنصوبُ بالمفعولِ من حيثُ إنّه فضلةٌ جاءت بعد تمامِ الكلامِ، وهذا من إقناعيَّاتِ النحويين:


(١) في (أ) وفي (ب) بعد كلمة إلّا: ها هنا وصفًا …
(٢) في (ب) قوله.
(٣) في (أ).
(٤) في (ب) لمجيئه فضلة.
(٥) في (ب) الخمسة الأضرب.
(٦) من هنا … إلى آخر شرح هذه الفقرة نقله البيكندي في شرحه المسمّى بـ (المقاليد): ١/ ١٥٧ ثم رد على الخوارزمي بقوله: وما ذكره هدم قاعدة النحاة، وفرق إجماعهم، وإجماعهم في النحو حجّة موجبة، وترك الحجة زيغ عن سواء المحجّة، فكان خلافه عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>