للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقُّ صفةً لهو وبَيّنٌ خبرَه، لأنَّ المضمَر لا يُوصفُ.

تَخمير: وقد تجيءُ الحالُ المؤكدةُ عن الجملةِ الفعليةِ كقوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} قالَ الشيخُ أبو عَليّ الفارِسِيّ: والحالُ مؤكدةً، لأنَّ في ولّيتُم دلالةً على أنّهم مُدبرون. والحقُّ أن الحالَ ها هنا هي المُستَقبَلةُ، والمعنى: ثمَّ ولّيتُم مُتابِعين في التَّولِيَة، وعليهِ عِندي قولهم: قُمْ قائمًا، وهذا لأنَّ الحالَ المؤكدةَ في الحقيقةِ خبرُ ما زَال، وما زَال صلةُ الموصولِ الذي وقعَ صفةً لذي الحالِ ألا تَرى أنّ قولَك هو أَبوك عَطُوفًا، معناه: هو الذي لم يَزَلْ عطوفًا، وكذلك {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} معناهُ: وهو الحقُّ الذي لم يَزَلْ مُصدِّقًا، ولا يُمكنُ أن تُفسَّرَ الحالُ ها هنا هذا التَّفسير، ألا تَرى أَنَّكَ لو قلتَ: ثُمَّ ولَّيْتُم الذين لم يزالوا مُدبرين لَم يجز (١).

قالَ جارُ اللهِ: "وكذلك: أنَا عبدُ اللهِ آكلًا كما يأكلُ العَبِيدُ فيه تَقريرٌ للعُبودِيَّةِ وتَأكيدٌ لها.

قال المشرّحُ: عبدُ اللهِ ها هنا (٢) إمَّا أن تكونَ جِنسًا -وهو الظّاهِرُ- ونحوه قولك: هو اللِّصُّ خائنًا، وإمَّا أن تكونَ عَلمًا كما لو قلتَ: أَنا عَمرُو بن معدي كَرب بَطَلًا شُجاعًا وحاتِمُ الطَّائِيّ كَرِيمًا جوادًا، لكن هذا إنما يجوزُ إذا كانَ عبدُ الله معروفًا بأكله أكلَ العبيدِ. عن عبدِ اللهِ بن عمرَ رضي الله (٣) عنهما قال (٤): "أُتي نَبِيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بطعامٍ فقالت عائشةُ رضيَ الله (١) عنها لو


(١) في (أ).
(٢) شرح الأندلسي: ١/ ٢٦٠.
(٣) في (ب).
(٤) لم أجد هذا الحديث عن ابن عمر. أخرج ابن سعد في طبقاته: ١/ ٣٨١ عن عائشة بلفظ: يا عائشة: لو شئت لسارت معي جبال الذهب، أتاني ملك وإن حجزته لتساوى الكعبة فقال: إنّ ربك يقرئ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت نبيًا ملكًا، وإن شئت نبيًا عبدًا فأشار إلى جبريل صنع نفسك؟ فقلت: نبيًا عبدًا. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك لا يأكل متكئًا، ويقول: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد.

<<  <  ج: ص:  >  >>