للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو في البيتِ فعلانِ، أحدهُما مثبتٌ وهو كفاني، والآخر مَنفيٌّ وهو لم أطلب، فتكونُ الكفايةُ منفيَّةً، ولم أطلب ثابِتًا، فلو كانَ الطلبُ (١) موجهًا إلى قليلاٍ من المالِ لتَنَاقَضَ الكلامُ، لأنَّه حينئذٍ يخبرُ مرَّةً بأنَّه ليس يَسعى لأدنى معيشةٍ، فأخرى أنَّ القليلَ من المالِ يكفيه.

الثاني: أنَّ الطلبَ لو كانَ موجهًا إلى قليلٍ من المالِ، لَوَقَعَ التَّناقُضُ بينه وبينَ قوله:

ولكنَّما أسعى لمجدٍ مؤثَّلٍ

ونظيرُه من حيثُ لم يُوجه فيه الفِعْلُ الثاني إلى ما وجّهَ إِليه الأولُ، ما رُوي عن أبي أمامةَ (٢) الباهليّ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "من سَقى صَبِيًّا لا يعقِلُ خمرًا سقاهُ الله كما سَقاه (٣) حميمَ جَهَنَّم".

حجةُ الشّيخِ: أنَّ "لَو" قَد تخرُج إلى معنى "إنْ" لا سيَّما عندَ الفرّاء، وذلك نحو قولك لو استقبلتَ أمرَكَ بالتَّوبةِ لكانَ خيرًا لك، فيُحملُ عليه ها هنا، حَتَّى لا يُصرَف الفِعلُ عن ظاهرِ ما يُوجَّهُ إليه إلى غيرِه، إلَّا أنَّك إذا قُلت: أَكرمني وأكرمتُ زيدًا، فإنَّ الفعلَ الثاني فيه موجّهٌ إلى ما وُجِّه إليه الأوَّلُ تقولُ: لأن سَعيت لأدنى معيشةٍ كفاني قليلٌ من المالِ من غيرِ أَن أطلُبَه.

قالَ جارُ الله: "ومن إضماره قولهم: إذا كان غدًا فائتني، أي إذا كانَ ما نحن عليه غدًا".


(١) في (ب) الطلب ثابتا.
(٢) في (أ) ثمامة، والصحيح أنه أُسامة صدى بن عجلان الباهلي. ترجمته في الإِصابة ٢/ ١٨٢. وهذا الحديث نقله المؤلف -فيما يظهر- عن حاشية المفصّل: ٩١ وفي مسند الإِمام أحمد: ٥/ ٢٥٧ عن أبي أمامة في حديث طويل: …
ولا يسقيها صبيًا صغيرًا إلَّا … سقيته مكانها من حميم جهنّم
وانظر حديثًا في معناه دون لفظه عن ابن عباس في سنن أبي داود ٤٠/ ٨٦.
(٣) في (أ) كماه، وفي (ب) حمأة وما أثبته من حاشية الزمخشري على المفصّل: ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>