للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موجب العمد أحد شيئين القصاص أو الدية، والخيار في ذلك لولي الدم، وليس عفو ولي الدم عن القصاص وسكوته عن ذكر الدية مسقطا للدية، بل هي واجبة للولي وإن لم يذكرها، إلا أن يعفو عن الدية أيضا، ويجوز لولي الدم والقاتل أن يصطلحا على ما يرضيهما في مقابل إسقاط القود، فهذا فقط الذي يشترط فيه رضاهما، وقد استدلوا بما يأتي١:

١- بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية، فقد روي عن ابن عباس في تفسيرها قوله: كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية، فقال الله تعالى لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} الآية، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} قال: فالعفو أن يقبل في العمد الدية، والاتباع بالمعروف: يتبع الطالب بمعروف، ويؤدى إليه المطلوب بإحسان، {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} فيما كتب على من كان قبلكم. رواه البخاري والنسائي والدارقطني.

فقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} "من" يراد بها القاتل، و"عفي" تتضمن شخصا يعفو عن القصاص، وهو ولي الدم، و"أخيه" هالشخص المقتلو، و"شيء" هو الدم الذي يعفي عنه، ويرجع إلى أخذ الدية، وهذا قول قتادة أيضا، وجماعة من العلماء، والعفو في هذا القول على بابه الذي هو "الترك".

والمعنى أن القاتل إذا عفا عنه ولي المقتول عن دم مقتوله، وأسقط القصاص، فإنه يأخذ الدية، ويتبع بالمعروف، ويؤدي إليه القاتل بإحسان.


١ راجع: القرطبي ج٥، ٢٥٣، نيل الأوطار ج٧، ص٨، المحلى لابن حزم ج١٠، ص٢٦٠، المغني لابن قدامة ج٩، ص٢٣٢، مغني المحتاج ج٤، ص٤٨، شرح النيل ج١٥، ص٩٥.

<<  <   >  >>