للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي أخذوا فِيهِ، فاتبعهم، فلم يزل ذَلِكَ دأبه حَتَّى لحقهم بالمذار مقيمين، فلما دنا مِنْهُمُ استشار أَصْحَابه فِي لقائهم وقتالهم قبل قدوم معقل عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ بعضهم: أقدم بنا عَلَيْهِم فلنقاتلهم، وَقَالَ بعضهم: وَاللَّهِ مَا نرى أن تعجل إِلَى قتالهم حَتَّى يأتينا أميرنا، ونلقاهم بجماعتنا.

قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي تليد بن زَيْد بن راشد الفائشي أن أباه كَانَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ قَالَ: فَقَالَ لنا أَبُو الرواغ: إن معقل بن قيس حين سرحني أمامه أمرني أن أتبع آثارهم، فإذا لحقتهم لم أعجل إِلَى قتالهم حَتَّى يأتيني.

قَالَ: فَقَالَ لَهُ جميع أَصْحَابه: فالرأي الآن بيّن، تنح بنا فلنكن قريبا مِنْهُمْ حَتَّى يقدم علينا صاحبنا، فتنحينا- وَذَلِكَ عِنْدَ المساء- قَالَ: فبتنا ليلتنا كلها متحارسين حَتَّى أصبحنا، فارتفع الضحى، وخرجوا علينا، قَالَ:

فخرجنا إِلَيْهِم وعدتهم ثلاثمائة ونحن ثلاثمائة، فلما اقتربوا شدوا علينا، فلا وَاللَّهِ مَا ثبت لَهُمْ منا إنسان، قَالَ: فانهزمنا ساعة، ثُمَّ إن أبا الرواغ صاح بنا وَقَالَ: يَا فرسان السوء، قبحكم اللَّه سائر الْيَوْم! الكرة الكرة! قَالَ:

فحمل وحملنا مَعَهُ، حَتَّى إذا دنونا من القوم كر بنا، فانصرفنا وكروا علينا، وكشفونا طويلا، ونحن عَلَى خيل معلمة جياد، ولم يصب منا أحد، وَقَدْ كَانَتْ جراحات يسيرة، فَقَالَ لنا أَبُو الرواغ: ثكلتكم أمهاتكم! انصرفوا بنا فلنكر قريبا مِنْهُمْ، لا نزايلهم حَتَّى يقدم علينا أميرنا، فما أقبح بنا أن نرجع إِلَى الجيش، وَقَدِ انهزمنا من عدونا ولم نصبر لَهُمْ حَتَّى يشتد القتال وتكر القتلى قَالَ: فَقَالَ رجل منا يجيبه: إن اللَّه لا يستحيي من الحق، قَدْ وَاللَّهِ هزمونا، قَالَ أَبُو الرواغ: لا أكثر اللَّه فينا ضربك! إنا مَا لم ندع المعركة فلم نهزم، وإنا متى عطفنا عَلَيْهِم وكنا قريبا مِنْهُمْ فنحن عَلَى حال حسنة حَتَّى يقدم علينا الجيش، ولم نرجع عن وجهنا، إنه وَاللَّهِ لو كَانَ يقال: انهزم أَبُو حمران حمير بن بجير الهمداني، مَا باليت، أنما

<<  <  ج: ص:  >  >>