يَا أَبَا حَنْظَلَةَ! فَقَالَ: أَبُو الْفَضْلِ! فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي! فَمَا وَرَاءَكَ؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ وَرَائِي قَدْ دَلَفَ إِلَيْكُمْ بِمَا لا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ بِعَشْرَةِ آلافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقُلْتُ:
تَرْكَبُ عَجُزَ هَذِهِ الْبَغْلَةِ، فَأَسْتَأْمِنُ لَكَ رسول الله، فو الله لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، فَرَدَفَنِي فَخَرَجْتُ به اركض بغله رسول الله ص نحو رسول الله ص، فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ وَنَظَرُوا الى، قالوا: عم رسول الله عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ، حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَبُو سُفْيَانَ! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلا عهد! ثم اشتد نحو النبي ص، وَرَكَّضْتُ الْبَغْلَةَ، وَقَدْ أَرْدَفْتُ أَبَا سُفْيَانَ، حَتَّى اقْتَحَمْتُ عَلَى بَابِ الْقُبَّةِ، وَسَبَقْتُ عُمَرَ بِمَا تَسْبِقُ بِهِ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ، فَدَخَلَ عمر على رسول الله ص، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللَّهِ، قَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلا عَقْدٍ، فَدَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ! ثُمَّ جلست الى رسول الله ص فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ، فَقُلْتُ:
وَاللَّهِ لا يُنَاجِيهِ الْيَوْمَ أَحَدٌ دُونِي! فَلَمَّا أَكْثَرَ فِيهِ عُمَرُ، قُلْتُ: مهلا يا عمر! فو الله مَا تَصْنَعُ هَذَا إِلا لأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَنِي عدى ابن كَعْبٍ مَا قُلْتَ هَذَا فَقَالَ: مَهْلا يَا عباس! فو الله لإِسْلامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ! وَذَلِكَ لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ إِسْلامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ إِسْلامِ الْخَطَّابِ لَوْ أَسْلَمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله ص: اذْهَبْ فَقَدْ أَمَّنَّاهُ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَيَّ بِالْغَدَاةِ فَرَجَعَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غدا به على رسول الله ص، فلما رآه قال:
[وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ! أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ! فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَوْصَلَكَ وَأَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ!] وَاللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئًا، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ! أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute