إلَى أَخْذِهِ - إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ - اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَخَذَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ، أَوْ يَكُونُ مُتَّصِلًا بِأَنْ يُهَيِّئَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ سَبَبًا آخَرَ بِطَرِيقٍ يُؤْخَذُ بِهِ فِي دِينِ الْمَلِكِ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي كَانَ الرَّجُلُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يُعْتَقَلُ بِهَا.
فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْكَيْدِ فِعْلًا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يُيَسِّرَ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ الْمَظْلُومِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ أُمُورًا يَحْصُلُ بِهَا مَقْصُودُهُ بِالِانْتِقَامِ مِنْ الظَّالِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا خَارِجٌ عَنْ الْحِيَلِ الْفِقْهِيَّةِ، فَإِنَّا إنَّمَا تَكَلَّمْنَا فِي حِيَلٍ يَفْعَلُهَا الْعَبْدُ لَا فِيمَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، بَلْ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كَادَ كَيْدًا مُحَرَّمًا فَإِنَّ اللَّهَ يَكِيدُهُ وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي مُرْتَكِبِ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ فَإِنَّهُ لَا يُبَارِكُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحِيَلِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ، وَفِيهَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُتَوَكِّلَ عَلَى اللَّهِ إذَا كَادَهُ الْخَلْقُ فَإِنَّ اللَّهَ يَكِيدُ لَهُ وَيَنْتَصِرُ لَهُ بِغَيْرِ حَوْلٍ مِنْهُ وَلَا قُوَّةٍ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: ٧٦] قَالُوا بِالْعِلْمِ.
وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْخَفِيَّ الَّذِي يَتَوَصَّلُ بِهِ الْمَقَاصِدَ الْحَسَنَةَ مِمَّا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ يُوسُفَ كَانَ مِنْهُ فِعْلٌ فَيَكُونُ بِهَذَا الْعِلْمِ هُوَ مَا اهْتَدَى بِهِ يُوسُفُ إلَى أَمْرٍ تَوَكَّلَ فِي إتْمَامِهِ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اهْتِدَاءَهُ لِإِلْقَاءِ الصَّاعِ وَاسْتِرْجَاعِهِمْ نَوْعُ فِعْلٍ مِنْهُ لَكِنْ لَيْسَ هَذَا وَحْدَهُ هُوَ الْحِيلَةَ، وَالْحِيَلُ الْفِقْهِيَّةُ بِهَا وَحْدَهَا يَتِمُّ غَرَضُ الْمُحْتَالِ لَوْ كَانَتْ حَلَالًا.
النَّوْعُ الثَّانِي:
مِنْ كَيَدِهِ لِعَبْدِهِ هُوَ أَنْ يُلْهِمَهُ سُبْحَانَهُ أَمْرًا مُبَاحًا، أَوْ مُسْتَحَبًّا، أَوْ وَاجِبًا يُوصِلُهُ بِهِ إلَى الْمَقْصُودِ الْحَسَنِ فَيَكُونُ هَذَا عَلَى إلْهَامِهِ لِيُوسُفَ أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ هُوَ مِنْ كَيْدِهِ سُبْحَانَهُ أَيْضًا. وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: ٧٦] فَإِنَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ الدَّقِيقَ الْمُوصِلَ إلَى الْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ صِفَةُ مَدْحٍ كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي يُخْصَمُ بِهِ الْمُبْطِلُ صِفَةُ مَدْحٍ. حَيْثُ قَالَ فِي قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: ٨٣] .
وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مِنْ الْكَيْدِ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكَيْدُ الَّذِي تُسْتَحَلُّ بِهِ الْمُحَرَّمَاتُ، أَوْ تَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبَاتُ فَإِنَّ هَذَا كَيْدٌ لِلَّهِ، وَاَللَّهُ هُوَ الْمَكِيدُ فِي مِثْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute