وَالثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: فَآدَمُ عِنْدَكُمْ مِنْ جُمْلَةِ مَوَارِدِ النِّزَاعِ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ذَنْبُهُ عِنْدَ الْمُنَازِعِ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ أَيْضًا، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ذَنْبٌ يَقُولُ ذَلِكَ عَنْ آدَمَ وَمُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ لَا يَجْعَلُ الذَّنْبَ ذَنْبًا لِمَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَإِنَّهُ هُوَ الْقَائِلُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] . فَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُضَافَ إلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَنْبُ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أُمَّتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النور: ٥٤] وَقَالَ تَعَالَى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ} [النساء: ٨٤] وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ أَنْ يُضَافَ إلَى مُحَمَّدٍ ذُنُوبُ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ. وَيُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢] الْمُرَادُ ذُنُوبُ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمِهِمْ قَبْلَك، فَإِنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَشْفَعُ لِلْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ، وَهُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَقَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ وَآدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَنَا خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ إذَا وَفَدُوا، وَإِمَامُهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا» وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْتَصُّ آدَمَ بِإِضَافَةِ ذَنْبِهِ إلَى مُحَمَّدٍ، بَلْ تُجْعَلُ ذُنُوبُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ ذُنُوبًا لَهُ. فَإِنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَغْفِرْ ذُنُوبَ جَمِيعِ الْأُمَمِ، قِيلَ: وَهُوَ أَيْضًا لَمْ يَغْفِرْ ذُنُوبَ جَمِيعِ أُمَّتِهِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ مَيَّزَ بَيْنَ ذَنْبِهِ وَذُنُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: ١٩] فَكَيْفَ يَكُونُ ذَنْبُ الْمُؤْمِنِينَ ذَنْبًا لَهُ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ الصَّحَابَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَك فَمَا لَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: ٤] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلِمُوا أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute