(وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسُهُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ ﵊ كَانَ إذَا رَكَعَ لَا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ وَلَا يُقَنِّعُهُ (وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) لِقَوْلِهِ ﵊ «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ
(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَقَالَا يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسُهُ) مَعْنَاهُ يُسَوِّي رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاعْتِدَالِ وَذَلِكَ بِتَسَاوِيهِمَا. وَقَوْلُهُ: (لَا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ) أَيْ لَا يَخْفِضُهُ (وَلَا يُقْنِعُهُ) أَيْ لَا يَرْفَعُهُ، وَإِنَّمَا فُسِّرَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ بِقَوْلِهِ (أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ) جَمْعًا بَيْنَ لَفْظِ الْمَبْسُوطَيْنِ، فَإِنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ قَالَ فِي مَبْسُوطِهِ: لَمْ يُرِدْ بِهَذَا اللَّفْظِ أَدْنَى الْجَوَازِ إنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَدْنَى الْكَمَالِ، فَإِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ يَجُوزُ بِدُونِ هَذَا الذِّكْرِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي مُطِيعٍ. يَعْنِي تِلْمِيذَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي مَبْسُوطِهِ: يُرِيدُ بِهِ أَدْنَى مِنْ حَيْثُ جَمْعُ الْعَدَدِ فَإِنَّ أَقَلَّ جَمْعِ الْعَدَدِ ثَلَاثَةٌ، وَالْمُصَنِّفُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَشْهُورُ فِي مِثْلِهِ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَمَا مَعْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ؟ فَالْجَوَابُ إنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ لُغَةً يُتَصَوَّرُ فِي الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعَ وَاحِدٍ مَعَ وَاحِدٍ، وَأَمَّا كَمَالُهُ فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا وَشَرْعًا. فَإِنْ قِيلَ: كَمَالُ الْجَمْعِ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ وَلَا فِي حُكْمِهِ فَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ سَبَقَ ذِكْرُهُ دَلَالَةً بِذِكْرِ الثَّلَاثِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَهُوَ أَفْضَلُ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمَلُّ الْقَوْمُ إنْ كَانَ إمَامًا لِئَلَّا يَصِيرَ سَبَبًا لِلتَّنْفِيرِ الْمَكْرُوهِ، وَإِنْ نَقَصَ جَازَ وَيُكْرَهُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ: فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مَشْرُوعٌ فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّهُ ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ كَمَا فِي الْقِيَامِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَوْله تَعَالَى ﴿ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ.
(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَيْ قَبِلَ اللَّهُ حَمْدَ مَنْ حَمِدَهُ، فَإِنَّ السَّمَاعَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَبُولِ، يُقَالُ سَمِعَ الْأَمِيرُ كَلَامَ فُلَانٍ إذَا قَبِلَهُ. وَالْهَاءُ فِي حَمِدَهُ، قِيلَ لِلسَّكْتَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الثِّقَاتِ، وَقِيلَ كِنَايَةٌ (وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ) وَرُوِيَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. وَرُوِيَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ (وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute