وهذا لا حجة فيه لجواز أن يكون مبتدأ وخبراً مقدماً كما تقدم.
وقال أبو البقاء: وحكي بالجر، أي: في جنة دانية، وهو ضعيف، لأنه عطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار. يعني أنه قرئ شاذاً:«وَدانِيةٍ» بالجر على أنها صفة لمحذوف، ويكون حينئذٍ نسقاً على الضمير المجرور من قوله تعالى:{لَا يَرَوْنَ فِيهَا} أي: ولا في جنة دانية، وهو رأي الكوفيين حيث يجوزون العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، ولذلك ضعفه، وتقدم الكلام على ذلك في البقرة.
وأما رفع «ظلالها» فيجوز أن يكون مبتدأ، و «عليهم» خبر مقدم، ولا يرتفع ب «دانية» ، لأن «دنا» يتعدى ب «إلى» لا ب «على» ، ويجوز أن ير فع ب «دانية» على أن يضمن معنى مشرفة؛ لأن «دنا» و «أشرف» متقاربان، قال معناه أبو البقاء، وهذان الوجهان جاريان في قراءة من نصب «دانية» .
وقرأ الأعمش:«ودانياً» بالتذكير للفصل بين الوصف وبين مرفوعه ب «عليهم» أو لأن الجمع مذكر.
وقرأ أبيّ:«ودَانٍ عَليْهِمْ» بالتذكير مرفوعاً، وهي شاذة. فمذهب الأخفش حيث يرفع باسم الفاعل وإن لم يعتمد، ولا جائز أن يعربا مبتدأ وخبراً لعدم المطابقة.
وقال مكي:«وقرئ» ودانياً «بالتذكير» ثم قال: «ويجوز:» ودانية «بالرفع، ويجوز» دانٍ «بالرفع والتذكير» ، فلم يصرح بأنهما قرئا، وقد تقدم أنهما مقروء بهما، فكأنه لم يطلع على ذلك.
فصل في معنى الآية
قال المفسرون: معناه: أن ظل الأشجار في الجنة قريب من الأبرار فهي مظلة عليهم زيادة على نعيمهم.
قال ابن الخطيب: فإن قيل: الظل إنما يوجد حيث توجد الشمس، وهناك لا شمس في الجنة، فكيف يحصل الظل؟ .
فالجواب: أن أشجار الجنَّة تكون بحيث لو كان هناك شمس لكانت الأشجار مظلة منها وإن كان لا شمس ولا قمر كما أن أمشاطهم الذهب والفضة، وإن كان لا وسخ ولا شعث. ثم قوله:{وَذُلِّلَتْ} يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال عطفاً على دانية