للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحوها من اللذات، فاعترض عليه في ذلك؟!

فأجاب بما مضمونه: أنه قد رفعت الأقلام وجفت الصحف، وأن هذا مقدر عليَّ، وأنا لا أقدر على رفع ما قدره الله عليَّ … الخ» (١).

ومن هنا يُدرك كل عاقل خطورة الفساد الذي ينتشر بسبب عقيدة الجبر الفاسدة.

رابعاً: أن من لوازم محبة الله حب ما يحبه -عز وجل- وبغض ما يبغضه؛ "لأن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض محبوبه، ويوالي من يوالي محبوبه، ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما نهى عنه" (٢)، وهذه هي المحبة الحقيقة.

أما من ادعى أنه يحب الله مع محبته لما يبغضه سبحانه، ومحبته لأعدائه عز وجل، فهذه دعوى كاذبه، بل هو للعداوة أقرب منه للمحبة، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «والطريق إلى الله إنما هي بأن ترضيه أن تفعل ما يحبه ويرضاه، ليس أن ترضى بكل ما يحدث ويكون؛ فإنه هو لم يأمرك بذلك، ولا رضيه لك ولا أحبه، بل سبحانه يكره ويسخط ويبغض على أعيان أفعال موجودة لا يحصيها إلا هو. وولاية الله موافقته بأن تحب ما يحب، وتبغض ما يبغض، وتكره ما يكره، وتسخط ما يسخط، وتوالي من يوالي، وتعادي من يعادي؛ فإذا كنت تحب وترضى ما يكرهه ويسخطه كنت عدوه لا وليه، وكان كل ذم نال من رضي (٣) ما أسخط الله قد نالك، فتدبر هذا، فإنه ينبه على أصل عظيم ضل فيه من طوائف النساك والصوفية والعباد والعامة من لا يحصيهم إلا الله» (٤)، وبهذه الحجة أفحم شيخ الإسلام خصمه في هذه المناظرة كما سبق بيانه.


(١) رفع الشبهة والغرر عمن يحتج على فعل المعاصي بالقدر (ص: ١٥).
(٢) أمراض القلوب وشفاؤها (ص: ٦٤).
(٣) في المطبوع من الاستقامة (رضا) وهو خطأ والصواب ما أثبت من مجموع الفتاوى (١٠/ ٧١٢).
(٤) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (٢/ ٤١٣ - ٤١٤).

<<  <   >  >>