للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك قراءة ابن عباس: "فَصِرَّهُنَّ"١ مكسورة الصاد مشددة الراء وهي متفوحة، وقراءة عكرمة: "فَصَرِّهُنَّ إليك" بفتح الصاد، وقال: قَطِّعهُن، وعن عكرمة أيضًا: "فَصُرّهُنَّ" ضم الصاد وشدد الراء، ولم يقل مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، قال: وهو يحتمل الثلاثة، كمُدُّ ومُدَّ ومُدِّ.

قال أبو الفتح: أما "فَصِرَّهُنَّ" بكسر الصاد وتشديد الراء فغريب؛ وذلك أن يفْعِل في المضاعف المتعدي شاذ قليل، وإنما بابه فيه يفْعُل، كصَبَّ الماء يَصُبُّه، وشد الحبل يشده، وفرَّ الدابة يفرها٢، ثم إنه قد مر بي مع هذا مِن يفْعِل في المتعدي حروف صالحة؛ وهي: ثم الحديث يَنُمه ويَنِمه، وعلَّه بالماء يعُلَّه ويعِلَّه، وهَرَّ الحرب يهُرُّها ويهِرُّها٣، وغَذَّ العِرقُ الدم يغُذه ويغِذه٤ "٢٩ظ". وقالوا: حبَّه ويحِبُّه بالكسر لا غير، وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن أن بعضهم قرأ: "لن يَضِرُّوا الله شيئًا"٥ بكسر الضاد في أحرف سوى هذه، ولمجيء المتعدي من هذا مضمومًا -وبابه وقياسه الكسر- نَظَرٌ ليس هذا موضعه، فيكون صِرَّهُن من هذا الباب على صَرَّه يصِرُّه.

وأما "صُرَّهن" بضم الصاد فعلى الباب؛ أعني: ضم عين يفعُل في مضاعف المتعدي، والوجه ضم الراء لضمة الهاء من بعدها، والفتح والكسر من بعد.

وأما "فصَرِّهُنَّ" فهذا فَعِّلْهُنَّ٦ من صَرَّى يُصَرِّي: إذا حَبس وقَطع. قال:

رُب غلام قد صرَى في فقرته ... ماء الشباب عنفوانَ سَنْبته٧


١ سورة البقرة: ٢٦٨.
٢ فر الدابة: كشف عن أسنانها ليعرف ما سنها.
٣ هر الحرب: كرهها.
٤ كذا في نسختي الأصل، والذي في المعاجم بأيدينا: غذ العرق؛ أي سال.
٥ سورة آل عمران: ١٧٦، وفي الأصل: فلن، وهو تحريف، وفي الإتحاف حين الكلام عن {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} الصفحة ١٠٧، وعن المطوعي: "لن يضِروكم" بكسر الضاد، وكذا: "فلن يضِر الله" ونحوه، أسند إلى ظاهر أو مضمر مفردًا وغيره.
٦ الوزن هنا مع ملاحظة حرف العلة المحذوف كما لا يخفى.
٧ للأغلب العجلي، وبعدهما:
أنعظ حتى استد سَم سمته
ويُروى: "رأت غلامًا" مكان "رب غلام". والفقرة: إحدى فقار الظهر، والمراد كلها، والسنبت والسنبتة: قطعة من الزمن، والسم: الثقب، والسمة بالكسر وتفتح: الاست، واستد الثقب: انسد. والمعنى: رب غلام امتنع عن غشيان النساء في فورة الشباب؛ حتى صار إذا أنعظ ينسد استه. وانظر: سر صناعة الإعراب: ١٧٥، واللسان والتاج "صري".

<<  <  ج: ص:  >  >>