أما من لابس الفتن منهم كطلحة والزبير، ومعاوية وعلي رضي الله عنهم، فكانوا في ذلك مجتهدين يرى كل منهم أن الحق في جانبه، وعليه أن يدافع عنه وقد تقرر في الشريعة أن المجتهد مأجور على كل حال، أخطأ أم أصاب إلا أنه إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، وقد أخبر الله تعالى بأنه رضي عن الذين بايعوا نبيه صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، فقال:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} ، وكان من هؤلاء المبايعين الذي رضي عنهم الله سبحانه من دخل الفتن كطلحة، والزبير رضي الله عنهما، فثبت بهذا أن الصحابة كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم.
وأما ما وقع من الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر، وعلي رضي الله عنهم، فإنما كان من قبيل التثبت عند قيام عارض الشك في ضبط الراوي لا في صدقه وعدالته. يدل على ذلك قول بعضهم للراوي "أما إني لم أتهمك، ولكني أحببت أن أتثبت"، ولئلا يتساهل الناس في باب الرواية على ما قدمنا.
هذا وقد اعتاد فريق من كتاب هذا العصر، أن يطلقوا ألسنتهم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كمعاوية، وعمرو بن العاص وأبي هريرة رضي الله عنهم، وهذا إثم كبير باتفاق علماء المسلمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"من لعن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم كمعاوية وعمرو بن العاص، أو من هو أفضل من هؤلاء كأبي موسى الأشعري وأبي هريرة أو من هو أفضل من هؤلاء كطلحة والزبير وعثمان، وعلي وأبي بكر وعمر وعائشة، فإنه يستحق العقوبة البليغة باتفاق المسلمين، وتنازعوا هل يعاقب بالقتل أو ما دون القتل، وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي