للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ): قال الفراء: معناه مال عليهم ضربا باليمين.

وقال قتادة والجوهري: فأقبل عليهم ضربا باليمين.

وإنما ضربهم باليمين لأنها أشد وأنكى؛ ولهذا تركهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون، كما تقدم في سورة الأنبياء تفسير ذلك.

قوله هاهنا: (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ): قال مجاهد وغير واحد: أي يسرعون.

وهذه القصة هاهنا مختصرة، وفي سورة الأنبياء مبسوطة، فإنهم لما رجعوا ما عرفوا من أول وهلة من فعل ذلك حتى كشفوا واستعلموا، فعرفوا أن إبراهيم، ، هو الذي فعل ذلك. فلما جاءوا ليعاتبوه أخذ في تأنيبهم وعيبهم، فقال: (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ)؟! أي: أتعبدون من دون الله من الأصنام ما أنتم تنحتونها وتجعلونها بأيديكم؟! (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) يحتمل أن تكون "ما" مصدرية، فيكون تقدير الكلام: والله خلقكم وعملكم. ويحتمل أن تكون بمعنى "الذي" تقديره: والله خلقكم والذي تعملونه. وكلا القولين متلازم، والأول أظهر؛ لما رواه البخاري في كتاب "أفعال العباد"، عن علي بن المديني، عن مروان (١) بن معاوية، عن أبي مالك، عن ربْعِيّ بن حراش، عن حذيفة مرفوعا قال: "إن الله يصنع كل صانع وصنعته" (٢). وقرأ بعضهم: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)

فعند ذلك لما قامت عليهم الحجة عدلوا إلى أخذه باليد والقهر، فقالوا: (ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) وكان من أمرهم ما تقدم بيانه في سورة الأنبياء، ونجاه الله من النار وأظهره عليهم، وأعلى حجته ونصرها؛ ولهذا قال تعالى: (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ)

﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)

يقول تعالى مخبرا عن خليله إبراهيم [] (٣): إنه بعد ما نصره الله على قومه وأيس من


(١) في ت، س: "هارون".
(٢) خلق أفعال العباد (ص ٧٣).
(٣) زيادة من ت، س.